سلمان بن محمد العُمري
من المستحسن والمستساغ إن لم يكن من باب الواجب، الدعوة إلى التفاؤل وعدم اليأس والقنوط، وأن تكون الصور الإيجابية مقدمة في الطرح والعرض على الصور السلبية، ومن هذا المنطلق والتزاماً بالمبدأ وتأسياً بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله وعمله بشروا ولا تنفروا، أعرض عن حالات إيجابية رأيتها بأم عيني في مجلس رجل كبير في السن يحيط به أبناؤه وهذا ليس غريباً، ولكن الصورة الأبهى وهي قيام رجل من خارج أفراد الأسرة بزيارة هذا الرجل بصفة منتظمة ومعتادة ودورياً، لأنه كان صديقاً لأبيه مدة طويلة من الزمن ولمحبة أبيه له فقد كان يعاود الرجل بالزيارة من باب البر والصلة بود أبيه وهو امتثال عمل لسنة نبوية فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ الأَبُ».
وهذا العمل الجليل المحمود يقدم صورة جميلة من صور الود والبر والوفاء للوالدين بتقديم ما كانوا يحبونه ويودونه وللوفاء والصلة والبر في هذا أبواب وصور أخرى ومنها البر والصلة مع أقرباء الوالدين من إخوان وأخوات وأبناء وبنات وأبناء وغيرهم من درجات القرابة والرحم والنسب.
وفي المقابل نسأل الله العافية هناك من المحرومين القاطعين لوالديهم وهم أحياء انشغلوا عنهم بالكلّيّة أو بالزيارات المتقطعة والانشغال عنهم بأمور دنيوية وأعظم منها وأشنع حينما تكون القطيعة والهجر على خلاف مع الوالدين نسأل الله العافية، وهؤلاء أرخصوا أمراً عظمه الله سبحانه وتعالى ألا وهو حق الوالدين فقد جعله الله عز وجل، وجعله مباشراً لحقه سبحانه وتعالى، فقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (الإسراء:23).
ومن عظم حق الوالدين أن الله -عز وجل- نهى عن قطيعة الوالدين حتى وهما في حالة الشرك أي غير مسلمين حيث، قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان:15).
وأوكد على أن السّمة الغالبة في مجتمعنا ولله الحمد تقدير كبير السن من الجميع فضلاً عن الأبناء بل إن الأبناء وحتى البنات يتنافسون في بقاء الوالد أو الوالدة عندهم في المنزل إذا ما كانت أحواله الصحية تستدعي المتابعة والإشراف المتواصل وإذا ما ظفر أحد الأبناء بشرف الضيافة للوالدين أو أحدهما صار منزله ومكانه مجمعاً عائلياً يلتقي فيه الأبناء والأحفاد وصار مدعاة لمزيد من التواصل والتراحم بين أفراد الأسرة.
ومما لفت انتباهي قبل مدة يسيرة أن أسمع عن حالة رجل كان من المشاهير في الوسط الاجتماعي والرياضي أنه نزيل في أحد دور رعاية المسنين، ومن المؤسف أن مثل هذه الحالة لم تعد قاصرة على ميسوري الدخل الذين لا يستطيعون تقديم الرعاية الصحية والنفسية لكبير السن بل تعدت لأسر ميسورة وثرية وذات مكانة وفي دور رعاية المسنين والمسنات شواهد على هذا الأمر الذي لم نألفه في مجتمعنا ونريد أن يستمر كحالات شاذة ننفرها ولا نتقبلها البتة في مجتمع يعتز بدينه وقيمه ومبادئه وعاداته الحميدة.
إن هناك فوارق كبيرة بين الصورة الإيجابية الأولى لذلك الرجل الذي اعتاد زيارة أصدقاء أبيه وخصص لهم جزءاً من برنامجه والصورة السلبية الأخرى لمن كان والداه على قيد الحياة وقد وضعهما في ملجأ لكبار السن أو هجرهما في منزلهما وقطع بهما وقصر في حقهما.
المحروم حقاً من حرم فضل صلة رحمه بوجه عام ووالديه بوجه خاص والمحروم حقاً من مارس القطيعة معهما وآذاهما بقول أو عمل أو جرح مشاعرهما بأي أمر من الأمور السيئة والواجب برهما وصلتهما والإحسان إليهما كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وعلى الرغم من فضل بر الوالدين إلا أنه مع الأسف الشديد نجد بعضاً من الناس من يمارس العقوق الصامت.
نسأل الله العفو والعافية،،،