سلمان بن محمد العُمري
كل عام وأنتم بخير..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال..
انتهى شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبر والإنفاق، الذي يحرص فيه أهل الثراء إلى إخراج زكواتهم وصدقاتهم في هذا الشهر الفضيل احتساباً لمضاعفة الأجر والمثوبة من رب العالمين.. ويعتقد بعض الأثرياء والموسرين أن عمل الخير مقتصر على هذا الشهر!!
وفعل الخير من أجلّ الأفعال التي يقوم بها الإنسان طوال حياته، والخير كلمة نسبية فما تعتبره أنت خيراً قد يعتبره البعض شيئاً آخر، وهذا واقع تبعاً للخلفية الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك لإنسان ما، ولذلك فإن خير ما تقوم به هذه الكلمة هو الرؤية الإسلامية للخير، وهي ليست نظرة بشر وإنما هي ما يريده رب العالمين - سبحانه وتعالى - فهو الذي يضع الحدود الفارقة والفاصلة بين الخير والشر، والمؤمن بطبعه فعّال للخير مريد له عامل لأجله.
إن الصدقة جزء لا يتجزأ من الحالة الإسلامية التي أرادها الله تعالى لبني البشر، وهي حالة دائمة مستمرة ما دام الإنسان على هذه الأرض، وأثرها دائم خالد إلى يوم الحساب، حيث موازين صاحبها هي الموازين الثقيلة - بإذن الله - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران: 134.
والله تعالى يربي الصدقات، ويمحق الربا، وبالتأكيد فإن الصدقة لا تنقص من المال، وإنما لا بد أن يزداد بشكل أو بآخر، وكما يُقال: ليس معيار الغنى كثرة الأموال، بل غنى النفس وبركة المال، فالبركة هي التي تحوِّل القليل إلى الكثير، وهي التي تجعلك قانعاً ترى النعيم أينما حللت وحينما توجهت، بينما الحالة المعاكسة تصل بصاحبها لحالة من الغنى الظاهر مع خواء في النفس وفقر بها، وجشع لا ينتهي، وأمراض تشمل النفس والجسم، ولا يستطيع أمهر الأطباء مداواتها؛ لأن العلة كبيرة، والعقبة أكبر!
إن الصدقة بمعنى الزكي الطيب لا يقدر عليها إلا الإنسان الصادق القوي القنوع المحب للخير، وكم من غني ملك الكنوز والمجوهرات، ولكنه يبخل بريال واحد لا يغني ولا يسمن من جوع!
إن الصدقة بمعناها الصحيح الذي لا تعرف بموجبه يسارك ما أنفقت يمينك هي حالة الأشخاص الذين أنعم الله عليهم بإيمان لا يتزعزع، وبثقة بالله، وبنفس قوية راسخة.. قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة: 274.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تلفاً» متفق عليه.
إن الإنسان الواثق من أن رزقه من الله عز وجل لا يفكر مجرد تفكير بما ينفق أو بما سينفقه؛ لأنه يعلم أن الله تعالى سيعوضه أضعافاً مضاعفة، وهناك أناس يعيشون بيننا، وقد جربوا ذلك وعاشوه، ووجدوا ما وعدهم الله تعالى صدقاً خالصاً صافـياً لا مجال للشك فيه.
وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[ البقرة: 245].
إن الصدقة عائدة إليك طال الزمان أم قصر أضعافاً مضاعفة، ولكن أخلص النية في فعلها، وادع الله أن يقبلها، وحث الناس على فعلها، وتوكل على الله فهو نعم المولى ونعم النصير، قال - تعالى -: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المزمل: 20، وخير الأعمال الصدقات الجارية التي ينتفع الإنسان بها حتى بعد موته.
* * *
قال ابن القيم - رحمه الله -: «ارخ يدك بالصدقة تُرخى حبال المصائب من على عنقك، واعلم أنّ حاجتك إلى أجر الصدقة أشدّ من حاجة من تتصدّق عليه».