سمر المقرن
البيان الصحافي الصادر عن جامعة تبوك، إثر حادثة «شهيدة الطب» والدة الطالبة المتفوقة التي كان حلمها أن تصبح ابنتها «دكتورة»، بكل صراحة هو بيان «مستعجل» خالٍ تمامًا من المصداقية التي تُحاكي المنطقية والإقناع، بداية من تصوير رغبات الطالبة في التخصصات التي وضعتها عبر البوابة الإلكترونية التي جعلت فيها رغبة «الطب» هي العاشرة، فأظن أن أي تخصص يمكن أن يكون ضربة حظ مع الطالب في جامعاتنا عدا تخصص الطب الذي يكون بترتيب وتخطيط مسبق، فقد يأتي أي طالب ويقول: من الممكن أن أصبح في المستقبل موظف بنك أو موظف شركة أو حتى في العلاقات العامة والإعلام وذلك حسب الوظيفة المتاحة، أما أن يقول: ممكن أن أجد وظيفة «طبيب» فهذا أمر مستحيل، لذا فإن وضع رغبة التخصص بالطب في خانة الرغبة العاشرة هو أمر مستحيل لمن يبني طموحاته باكرًا للتخصصات الطبيبة.
من هنا وحتى لا أسيء الظن بالجامعة وبيانها فقد يكون هناك خطأ إلكتروني، فالفتاة ظهرت بكل صدق على قناة الاخبارية وتحدَّثت بهول المفاجأة من تغيير ترتيب التخصصات التي وضعتها وأكَّدت أن تخصص الطب هو أول تخصص اختارته في قائمة الرغبات.
أيضًا في اللقاء التلفزيوني يظهر المتحدث باسم جامعة تبوك ليؤكد أنه وبحسب البيان الصحافي تم نقل والدة الطالبة التي سقطت «ميتة» في فناء الجامعة بسيارة الإسعاف التابعة للجامعة، والفتاة وعبر اللقاء نفسه أكَّدت عدم صحة هذا وأن الأم المتوفاة تم نقلها بسيارتهم الخاصة، أما الفيديو الذي انتشر عبر يوتيوب فقد أظهر أنه تم نقلها بسيارة أسرتها الخاصة، بل ظهر رجال أمن الجامعة وأحدهم يقول لزميله: (اطلب الإسعاف) والآخر يرد: (لا خلاص عيالها بينقلونها) في الوقت ذاته تركز الجامعة أنهم هم من نقلوها وفي الحقيقة فإن الفيديو من بدايته إلى نهايته كان واضحًا وصريحًا، والبيان الصحافي الصادر أراد أن يقول للناس (كذبوا عيونكم وآذانكم وصدقونا) وهنا والله أعلم أقول: إن من يكذب بالأشياء الصغيرة يكذب بالأشياء الكبيرة، وقد وضعت الجامعة نفسها في موقف محرج مع عائلة الطالبة ومع الإعلام والرأي العام!
إن صدور بيان صحافي بهذه السرعة هو أمر حضاري وجيد، لكن ما فائدة البيان إن لم يكن يحمل المصداقية ويفسر الأحداث بمنطقية ويتعامل مع الناس باحترام وعيهم، وأظن أن هذا البيان قد زاد من الموقف المحرج الذي وضعت فيه الجامعة نفسها، فقد خرجت ببيان وكأن الناس سمعوا عن الحدث بالتناقل الشفهي، ونسوا أن الناس شاهدوا وسمعوا الحادثة. إن الخطأ الذي حدث قد يحدث ويتكرر كثيرًا والناس تخطئ وهذه طبيعة البشر، وحتى التكنولوجيا تخطئ، وهذا كلّه ليس فيه عيب، إنما العيب يكمن في المكابرة ومحاولة تبرير الأخطاء بكذبات واضحة لا يقبلها العقل ولا يستسيغها الحدث المؤلم، لذا كل ما أتمناه أن تسجل جامعة تبوك «سابقة» في الاعتراف بالخطأ وتصحيحه فنحن في زمن «التلفيق» فيه لا يجدي!