سمر المقرن
لا أدري إلى أي عصرٍ ينتمي ما يسمونه بـ»صك إثبات حياة» والذي يعتبر شرطًا أساسيًا لحصول -بعض- فئات المجتمع على مستحقاتهم المادية من الضمان الاجتماعي، أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وفئات من المتقاعدين وغيرهم، هذا الصك يحتاجه هؤلاء الأشخاص سنويًا ويستدعي الذهاب إلى المحكمة الشرعية وبحضور شاهدين يؤكدان على أن الماثل أمام القاضي حيٌ يرزق!
هذا المسمى بـ«صك إثبات حياة» شيء مضحك جدًا، إلا أنه لا يُضحك بسعادة بل بمرارة، وألم على هذه الفئة وأغلبها من المسنات والمسنين أن يتكبدوا صعوبة هذا المشوار الدائم إلى المحكمة ليؤكدوا لها أنهم لم يفارقوا الحياة بعد، تخيلوا معي المشاعر التي يعيشها هذا الإنسان ليؤكد أنه لم يمت بعد، والألم كذلك على المحاكم المزدحمة بالقضايا الأكبر والأهم لنأتي لها في عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية بأوراق تؤكد أن المستفيد على قيد الحياة! ألا يوجد آلية أكثر لطافة وتهذيبًا مع هؤلاء الناس ليؤكدوا بها أنهم على قيد الحياة، هل هم بحاجة إلى صرخة ليقولوا بها أننا لم نمت بعد؟!
المثير للشفقة أن عدد هذه الصكوك «سنويًا» ليس بقليل، فبحسب إحصائية صادرة عن وزارة العدل فإن هناك ما يقارب 3000 شخص كل عام يذهبون إلى المحاكم ليثبتوا أنهم على قيد الحياة، ويرافقهم ما يقارب 6000 شخص ليشهدوا أن الشخص الماثل أمام القاضي لم يمت بعد، ياه ما هذا الذي يحدث في زمن التقنية والبصمة والاثباتات المتطورة؟
المشكلة الكبرى أن شرط هذا الصك جعل الكثير يتنازلون عن مستحقاتهم بسبب عدم القدرة على متابعة الإجراءات الصعبة والمواعيد المتأخرة للمحاكم، ودوامة طويلة عريضة ليس لها أول من آخر ما بين الجهات الحكومية والمحاكم. بل وحتى النساء المتقاعدات يتم مطالبتهن بهذا الصك «الكئيب» حيث يتم إلزام وكيلها الشرعي بالمثول أمام المحكمة ومعه شاهدان لتصديق أقواله بأن المرأة «المتقاعدة» التي تعيش تحت «وصايته» ما زالت تتنفس هواء الحياة، بمعنى أن المشقة هنا «مركبة» فالمرأة التي تحت الوصاية وهي متقاعدة مضطرة أن توكل هذه المهمة لوليّها الشرعي لتتضاعف عليه مسؤوليات الولاية!
بكل صدق، لا يمكن استيعاب وجود مثل هذه الإجراءات مع التطويرات الحاصلة والحكومة الالكترونية التي يقوم من خلالها أي شخص بعمل كافة الاجراءات الحكومية بكبسة زر، بل إن المعاني الإنسانية والأخلاقية خلف هذا النوع من الصكوك موجعة للغاية في أن يذهب إنسان ليثبت للآخرين أنه لم يمت حتى يحصل على حقوقه المالية، والاشكالية الأكبر أن هذه المعاملة مستمرة وليست مرة واحدة بالعمر.
مثل هذه الصكوك مضى عليها الزمن، ولا أعتقد أنه في وقتنا هذا نحتاج إليها، وعلى المؤسسات المعنية أن تعيد النظر فيما يسمى بصك إثبات الحياة، وتستبدله بإجراءات أكثر إنسانية ومنطقية دون أن يشعر المستفيد أن هذه الجهة أو تلك كأنها تنتظر موته ليتوقف ضخ حقه المادي.