قال الشيخ «محمد حامد الفقي» (ت 1378هـ) في مقدمة نشره لكتاب مختصر سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمتضمن كتابين الأول مختصر السيرة للإمام المجدد، والثاني مختصر السيرة لابنه الشيخ عبدالله، وقد طبعا سنة 1387هـ على نفقة الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ محمَّد بن عبداللطيف آل الشيخ (ت 1393هـ)(1).. قال الفقي -رحمه الله-: «فهذا (مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) انتقاه واختاره شيخ الإسلام محمَّد بن عبدالوهاب. وهو العالم الصادق، المجاهد الصابر في سبيل ربه، الداعي الصادع بكلمات الله، القائم لله، لتجديد ما اندرس من معالم الهدى، وما رسَّ من حبل التوحيد والتقى». ثم استطرد -رحمه الله- قائلاً: «أقدمه للمسلمين في وقت هم أشد حاجة إليه. وأعوز إلى تلمس النور من صواه».
ثم وضح -رحمه الله- الخطأ الفادح الذي وقع فيه القائد المصري «محمَّد علي» عندما حارب هذه الدعوة فقال: «فلو أن العساكر المصرية بقيادة -الجاهل الواسع المطامع محمَّد علي- لم تحارب المسلمين السعوديين في الحجاز، وتعاونت معهم على إعلاء كلمة الله، وإعزاز جانب المسلمين، لما كانت المصيبة التي قد وقعت في فلسطين».
ثم قال -رحمه الله-: «هذه زبدة سيرة رسول الله، كل مسلم اليوم بأشد الحاجة إليها ليخرج بها من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشد، ومن السفه إلى الحكمة».
وقد ابتدأ الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب كتابه بمقدمة لطيفة حث فيها طالب العلم على قراءة قصص الأولين وما فيها من العبر، وذكر قول بعض السلف»القصص جنود الله»، وأن الله -جلّ وعلا- قص علينا في كتابه الكثير من القصص، وكذا أهل العلم اعتنوا بسيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وسير أصحابه، ثم استطرد المؤلف -رحمه الله- في قصة أبينا إبراهيم عليه السلام، وما جرى بعده من تغيير لدينه على يد عمرو بن لحيّ، ثم ذكر -رحمه الله- حال البيت الحرام، حتى أوان خروج بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبدء الوحي، ثم عرَّج على ذكر فوائد الهجرة، ووقف -رحمه الله- عند قصة بدر، واستنبط كعادته ما فيها من فوائد وعبر، ثم تحدث عن فرض الجهاد، وقتال أهل الردة، ووقف عندها مليًا، ثم استدل منها بسبع أدلة حاجج بها معارضي الدعوة الإصلاحية.
ثم بعد ذلك شرع -رحمه الله- في ذكر نسب النبي عليه الصلاة والسلام، وقصة الفيل، وخروجه للشام، ثم زواجه من خديجة، ثم تحنثه بالغار، وبناء الكعبة، واستطرد في ذكر ما كان من أمر الجاهلية قبل بدء الوحي، وموقف المشركين من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، ثم الهجرة إلى الحبشة، وقصة الشعب، وما تلا ذلك من هجرته عليه السلام، وبيعة العقبتين الأولى والثانية، ثم هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وما حدث فيها، وما سبقها من محاولة لقتله عليه الصلاة والسلام، ثم ما حدث بعد ذلك من وقائع حتى موقعة بدر الكبرى، وما أعقبها من وقائع، وقصة الأفك، وغزوة الأحزاب، ثمة صلح الحديبية، وغزوة خيبر، ثم الفتح الأعظم فتح مكة، وما تلا ذلك من أحداث، حتى غزوة تبوك، وقدوم الوفود إليه، ثم موته -صلى الله عليه وسلم-، ثم الخلافة الراشدة، وقتال أهل الردة، وما تلا ذلك من أحداث حتى سنة ستين بشكل مختصر، وسبب قيام دولة بني عباس، وأنَّ بدء تأليف الكتب كان في أيام عمر بن عبدالعزيز.
إنَّ عمل المؤلف -رحمه الله- هو اختصار لسيرة ابن هشام التي هي تهذيب لسيرة ابن إسحاق، فكان عمل الشيخ -رحمه الله- بحق زبدة الزبدة لطالب العلم الذي يجعل هذا المختصر أساسه وينطلق بعده إلى الدخول في تفاصيل السيرة لمن رغب البسط والتوسع.
أما الكتاب الثاني فهو لابن الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب، وهو العالم النحرير الشيخ عبدالله، وكتابه أطول من كتاب أبيه. وقد ابتدأ الشيخ عبدالله مباشرة في ذكر النسب النبوي -وليس كما فعل والده من ذكر مقدمة لطيفة في كتابه السابق ذكره-؛ ثم ذكر أهل الفترة، ثم صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وما سبق البعثة من أحداث، حتى نزول الوحي، حيث ذكر الفوائد المتعلقة بذلك، وذكر ما أعقب ذلك بتفصيل واسع بخلاف كتاب والده، حيث نجد أنَّ الشيخ عبدالله يورد كلام العلماء كابن تيمية وابن القيم وغيرهما عند الحاجة لذلك؛ واستطرد -رحمه الله- في كتابه حتى مبدأ الهجرة، وما تلاها من أحداث، وهو يكثر النقل من ابن إسحاق، واستطرد كذلك في ذكر التفاصيل، ففي غزوة بدر مثلاً ذكر -رحمه الله- أسماء من شهد بدرًا من المسلمين حسب الترتيب الهجائي، وهو أمر لا نجده في كتاب والده -رحمهما الله-. واستطرد الشيخ في ذكر ما تلا بدرًا من غزوات، على الترتيب المعروف.
وفي غزوة أحد ذكر -رحمه الله- أسماء الشهداء، وعند تناول قصة الأفك توقف المؤلف طويلاً موردًا -رحمه الله- كلام العلماء، وما في القصة من فوائد. ثم يستطرد المؤلف في ذكر الوقائع بعد ذلك بتفصيل أكثر.
والخلاصة أنَّ في كتاب الشيخ الإمام محمَّد اختصارًا يناسب طالب العلم المبتدئ، وفي كتاب الشيخ عبدالله تفاصيل يحتاجها طالب العلم المستزيد، مع العلم أنَّ في كتاب الشيخ محمَّد تفصيلاً في بعض الأمور المعدودة أكثر من كتاب ابنه، كحادثة الردة مثلاً.
ولقد كان من عادة علماء الدعوة الإصلاحية العناية بالسيرة بعد الشيخ محمَّد بن عبدالوهاب وابنه الشيخ عبدالله، وذلك بقراءة كتابيهما وغيرهما من كتب السيرة كالهدي النبوي لابن القيم والسيرة لابن كثير التي هي ضمن كتابه الكبير (البداية والنهاية)، هذا فضلاً عن كتب الحديث الأصلية كالصحيحين والسنن والمسانيد التي فيها من تفاصيل ودقائق الأمور العلمية والعملية التي لا توجد في كتب السيرة، فكل هذه الكتب -سواء كانت في خصوص السيرة أو كتب الحديث بعامة- كانت حاضرة ومحل عناية وقراءة وتدبر في الحلق والدروس لربط الناس بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعرفة أحواله وأخلاقه وشمائله وأعظم ما دعا إليه وهو التوحيد وشروطه، وأعظم ما نهى عنه وهو الشرك ووسائله، ولما ظهرت الطباعة بادر علماء الدعوة إلى طبع مختصر السيرة للشيخ الإمام محمَّد وابنه الشيخ عبدالله لينتفع الناس بهما ويتربوا على هدي سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا غنى للمسلم عن معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون على بصيرة من دينه وتزداد محبتهم له وتمسكهم بسنته صلى الله عليه وسلم.
والمأمول من دعاة التوحيد والسنة الاهتمام بالسيرة تعلمًا وتعليمًا وتطبيقًا، والاستفادة منها لمعرفة أصول الدعوة، وأعظم ذلك الدعوة إلى توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك والغلو الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفق الله الجميع لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
** ** **
الهوامش:(1) جد معد هذا المقال.
- عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ