فضل بن سعد البوعينين
نجحت قوات الأمن السعودية في تسديد ضربات استباقية قاصمة لتنظيم «داعش»، وتفكيك خلاياه الإرهابية العنقودية، الأكثر تخفياً وانفصالاً عن بعضها البعض. اعتقال 431 بينهم أجانب خططوا لاستهداف مساجد ورجال أمن وبعثة دبلوماسية، يُؤكد قدرة وزارة الداخلية على مواجهة التنظيم بقسوة، وإفشال مخططاته القذرة، وحماية الوطن والمواطنين من عمليات إرهابية مدمرة.
في الغالب، تعتمد الاستخبارات المحترفة في التجنيد، وتنفيذ العمليات الدولية على تطبيق آلية المجموعات العنقودية المنفصلة عن بعضها البعض، بهدف التحوط الأمني، وبما يضمن صعوبة الكشف عنها، أو خفض سقف الخسائر، والحدّ من تدفق المعلومات المرتبطة بمرجعياتها ومخططاتها وقياداتها المباشرة، حال انكشافها. يبدو أن تلك الثقافة الاستخباراتية تم نقلها بعناية لتنظيم داعش الذي أثبت من خلال ملاءته المالية، تجهيزاته العسكرية، تحركاته المنضبطة، عملياته النوعية، أهدافه المرسومة، وأسلوبه الإجرامي، تبعيته لدول وأجهزة استخباراتية محترفة.
العميد بسام عطية، المسؤول في وزارة الداخلية، أشار إلى «أن تنظيم داعش أصبح بمثابة ميليشيات تقود حرباً بالوكالة لصالح دول تستهدف السعودية».. وهذه حقيقة تحاول الاستخبارات المعادية، وأجهزة الإعلام الموجهة، وأعداء الأمة إنكارها، والتركيز على المجنَّدين السعوديين المنفذين للعمليات الإرهابية، أو الداعمين لها، بهدف الربط الكلي بين «داعش» والسعودية، بل إن بعض مثقفينا، أصبحوا داعمين بشكل سافر لماكينة الدعاية الغربية الساعية للصق الإرهاب العالمي بالسعودية وعلمائها ومناهج التعليم فيها.
لا خلاف البتة على أن من قام بتنفيذ العمليات الإرهابية في الداخل هم من السعوديين، وأن مجتمعنا يُوشك أن يكون فريسة للفكر المنحرف ما لم يتكاتف الجميع لمحاربته، ولكن ماذا عن المخططين في الخارج، كالممولين، المُجَنِدِين، المسوِّقين للفكر الداعشي، والمحركين لماكينتهم الدعائية التي باتت قادرة على بث جميع مشاهدهم المصورة من خلال المحطات الفضائية العالمية؟!.. فالشيطان هو المسؤول الأول عن إغواء البشر ودفعهم للخطيئة، ومع قدراته العجيبة في تدمير العالم وجره نحو الهاوية، يبقى بعيداً كل البعد عن مباشرة الأفعال، والأقوال المدمرة، وتنفيذها.
عندما يتحول التنظيم الإرهابي إلى (دولة) تفرض سلطتها على مساحات شاسعة من دول تمتلك الجيوش والطائرات والعدد العسكرية المتطورة، وتمارس أنشطتها الإجرامية بكل حرية فالأكيد أن خلف ذلك التنظيم دولاً فاعلة وأجهزة استخبارات تعمل على قيادته لتحقيق أهدافها المرسومة بعناية، وحمايته من الاستهداف.
ومن هنا، يفترض التعامل مع خطر داعش من محورين رئيسين، الأول يرتبط بالدول والاستخبارات المحركة للتنظيم، والثاني التعامل بصرامة مع التنظيم وأدواته البشرية داخل السعودية. من متطلبات تحقيق النصر أن تكون أدوات المواجهة أكثر احترافية من احترافية القابعين خلف تنظيم «داعش»، وأن تكون أساليب التعامل مع أدوات التنظيم أكثر صرامة، ووضوحاً، وشمولية، في جوانبها الأمنية، الوقائية، القضائية، العقابية، المجتمعية والإعلامية.
ما زالت الجهود الأمنية تقيل عثرات بعض الجهات المقصرة في تحمُّل مسؤولياتها تجاه مواجهة الفكر المنحرف.. ويبقى السؤال الأهم، وهو: إلى أي مدى يمكن للجهات الأمنية مواصلة جهودها المتميزة بمعزل عن دعم ومساندة الجهات الحكومية الأخرى؟.
يتطلب العمل الأمني الإستراتيجي تحقيق الشراكة العملية بين وزارات الدولة ومؤسساتها لضمان القضاء على الفكر المنحرف، واستئصال جذوره، وفضح أساليبه وكل من يقف خلفه.. بل يستدعي الأمر استنطاق الصامتين عن تجريم العمليات الإرهابية، والمتذاكين في إداناتهم الهُلامية، ومحاسبة المؤيدين له أو المتعاطفين معه. تنتشر في تويتر حسابات كثيرة تسهم في نشر وتأييد الفكر المنحرف، في الوقت الذي يستغل فيه المتربصون بعض الفتاوى الجهادية القديمة لإسقاطها على الواقع المعاش. نحن في أمسّ الحاجة إلى مراجعة كل ما يغذي الفكر المنحرف، ونقضه واستئصاله، بعيداً عن المواجهات الفكرية، وعمليات الترصد، والانتقام، لضمان إنجاح عمليات المواجهة الفكرية.
الوطن في أمسّ الحاجة إلى إستراتيجية موحدة لمواجهة خطر الإرهاب، والفكر المنحرف، الذي نجحت من خلاله أجهزة الاستخبارات في تجنيد أعداد كبيرة من الشباب والمراهقين السعوديين وحملهم على قتل أقربائهم واستهداف وطنهم من الداخل. نزع الجذور، أو تدميرها كفيل بتجفيف الأشجار وإسقاطها بكل يسر وسهولة. التعامل مع الجذور الداعشية بداية الطريق الصحيح للقضاء على التنظيم.