فضل بن سعد البوعينين
رغم الحملة المضادة للاتفاق النووي التي يشنها الجمهوريون في الكونجرس؛ أصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من وزير الخارجية، جون كيري، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سمانثا باور، على «الالتزام بالاتفاق» الموقع في فيينا، وعرضه على مجلس الأمن.
انتقادات حادة وجهها قادة جمهوريون في الكونغرس الأمريكي، للرئيس باراك أوباما، وصل بعضها إلى حد التشكيك في وطنيته؛ بعد إرساله اتفاق إيران النووي إلى مجلس الأمن قبل الموافقة عليه من الكونغرس. الرئيس «أوباما» تعهد الأسبوع الماضي باستخدام حق النقض (الفيتو) إذا ما رفض الكونغرس الاتفاقية؛ وهي إشارة واضحة ألا تراجع أمام إمضاء الاتفاقية النووية التي قد لا تحول دون إنتاج إيران سلاحًا نوويًا؛ بقدر ما تؤجل إمكانية تحقيقه.
إضافة إلى ذلك؛ فرفع العقوبات الاقتصادية سيسمح بتدفق مئات المليارات للخزينة الإيرانية؛ بخلاف ما يقرب من 150 مليار دولار تمثل أرصدتها المجمدة في الخارج. لا أحد يرغب باستمرار العقوبات الاقتصادية على إيران؛ شريطة التزامها بالقوانين الدولية ونبذها التدخل في شؤون دول العربية وتغذية الإرهاب؛ ودعم أحزابها المتغلغلة في المنطقة.
حثت السعودية إيرن على «أن تستغل مواردها في خدمة تنميتها الداخلية وتحسين أوضاع الشعب الإيراني، عوضًا عن استخدامها في إثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة».
سياسة «تصدير الثورة»؛ وامتلاك السلاح النووي؛ كبدت إيران ودول المنطقة خسائر فادحة؛ كان من الممكن استثمارها في بناء اقتصادياتها؛ ودعم التنمية؛ وبناء الإِنسان.
توقيع الاتفاقية النووية؛ ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران دون شروط صارمة تحد من تمويلها المنظمات الإرهابية؛ ودعم الأنشطة العدائية في المنطقة؛ سيتسبب في مزيد من الفوضى؛ والحروب والقلاقل.
وعلى فرضية استثمار النظام الإيراني لما يقرب من 10 في المائة من أرصدته إيران المجمدة في تمويل الحرس الثوري؛ والمنظمات التابعة له في لبنان؛ سوريا؛ العراق واليمن؛ فإننا نتحدث عن ضخ 15 مليار دولار لدعم الإرهاب في المنطقة التي تعاني أصلاً من مشكلات أمنية لا حصر لها.
الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، تساءل في أحد خطاباته عن الأرصدة الإيرانية المجمدة بقوله: «إذا استعادت إيران هذا المال، فما الذي ستفعل به؟... ستكون قادرة أكثر من أي وقت مضى على الوقوف إلى جانب حلفائها وأصدقائها وشعوب المنطقة». الأكيد أنه يعني بالحلفاء، المنظمات الإرهابية الموالية لإيران وفي مقدمها «حزب الله»!.
حسابات النظام الإيراني كانت دومًا خاطئة؛ وهو وإن حصل في نهاية المطاف على اتفاق يتوافق مع رؤيته؛ ويحقق بعض طموحاته؛ إلا أن مراهنته على السلاح النووي؛ تبقى خاسرة ولا شك. لم تعد موازين القوى العالمية تقاس بالقدرات النووية؛ والعسكرية بل بالمتانة الاقتصادية والقدرة على البناء والتطوير وتحقيق رفاهية الشعوب.
الكوريتان الجنوبية والشمالية خير مثال على ذلك؛ ففي الوقت الذي رأت فيه كوريا الشمالية؛ الفقيرة تنمويًا؛ أن امتلاكها السلاح النووي سيمكنها من فرض إرادتها على المجتمع الدولي؛ ومواجهة خصومها؛ شقت كوريا الجنوبية طريقها نحو التنمية وبناء الاقتصاد؛ والتوسع في قطاعات الإنتاج ما مكنها من تحقيق أهدافها التنموية الشاملة وبالتالي ضمان مكانتها العالمية؛ وتحقيقها الأمن من خلال شراكاتها الاقتصادية مع جميع دول العالم.
وإذا كنا نعتقد أن بناء الاقتصاد هو الخيار الأمثل لإيران؛ فإننا نعتقد أيضًا أنه الخيار الأمثل للسعودية في الرد العملي على الاتفاقية النووية الأخيرة. التوسع في بناء قطاعات الإنتاج؛ ودعم الاقتصاد؛ والمضي قدمًا في خطط التنمية وفق إستراتيجية محكمة هو الخيار الأمثل لدول المنطقة؛ وليس السعودية فحسب. تمتلك السعودية احتياطيات ضخمة مستثمرة في السندات الأمريكية؛ وهي استثمارات لا تخلو من المخاطر لأسباب مالية وسياسية أيضًا. قد يكون خيار إعادة تشكيل جزء من تلك الاستثمارات وفق التوزيع الجغرافي؛ واستثمار الجزء الآخر في بناء قطاعات الإنتاج؛ واستكمال البنى التحتية؛ ودعم الاقتصاد في الداخل؛ هو الخيار الأمثل والآمن في مثل هذه الظروف. الاتفاق النووي الذي لم تُراع فيه مصالح دول المنطقة يفترض أن يكون الإنذار الأخير لكل من يعتقد بنزاهة «الحليف الأمريكي».
الإبقاء على حالة التوتر في المنطقة هو ما تسعى له الولايات المتحدة؛ والدول الغربية من أجل تحقيق مصالحهم وأهدافهم الإستراتيجية التي لا يمكن تحقيقها حين يسود الأمن والاستقرار ويزدهر الاقتصاد. سيكتشف النظام الإيراني يومًا؛ تحت الضغط الداخلي؛ أن خيار التنمية الاقتصادية كان الأنسب بالنسبة لهم؛ وأنه الخيار الوحيد القادر على تحقيق الأمن والازدهار في آن؛ وكل ما أتمناه أن تؤمن دول الخليج بذلك؛ وألا تركن للتطمينات الأمريكية؛ وأن تُجر إلى سباق نووي قد يدفع بها إلى احتلال مقعد إيران الشاغر حديثًا.