فضل بن سعد البوعينين
أربعون عاماً قضاها الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - وزيراً للخارجية، كان فيها شاهداً على العصر، ومساهماً في معالجة غالبية الملفات السياسية الكبرى. تعامل بحكمة وحلم وأناة مع قضايا المنطقة الشائكة، كالغزو الإسرائيلي للبنان، والملف الفلسطيني، والحرب العراقية الإيرانية، والاجتياح العراقي للكويت، والاحتلال الأمريكي للعراق، ثم الربيع العربي وتداعياته المدمرة.
لم يكن يوماً ممثلاً للسياسة السعودية فحسب، بل كان مسكوناً بالقضايا العربية والإسلامية التي حملته أحياناً كثيرة لاتخاذ مواقف حاسمة وحازمة في تعامله معها، بالرغم من انعكاساتها على علاقات السعودية مع الدول الكبرى.
بالرغم من موقف «صدام حسين» العدائي تجاه السعودية عارض الأمير سعود الغزو الأمريكي للعراق، وجاهد من أجل إيصال رؤية السعودية للإعلام الغربي الذي حضر فيه بشكل مكثف قبل بدء الاحتلال. واجه منفرداً ماكينة الدعاية الأمريكية، واللوبيات الضاغطة لتدمير العراق، وتحقيق أهداف خطة التقسيم الغربية.
تحدث بشفافية مطلقة عن «الاحتلال الأمريكي للعراق»، وطالب الأمريكيين بتحمل مسؤولياتهم تجاه العراق وشعبه، كدولة «مُحتلة». اتهم في كلمته التي ألقاها في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكيين بأنهم «قدموا العراق للإيرانيين على طبق من ذهب».
بالرغم من حالته الصحية الحرجة كان متقد الذهن، حاضر البديهة، ملماً بتفاصيل الأمور، حتى في الاجتماعات الطويلة المضنية. تدخل بدبلوماسية للرد على الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية السادسة والعشرين، بقوله: «هم يتكلمون عن مآسي الوضع في سوريا بينما هم جزء أساسي من المآسي التي تمس الشعب السوري.. روسيا تقترح حلولاً سلمية وهي مستمرة في تسليح النظام السوري الذي يفتك بشعبه».
انطلق في جميع مواقفه السياسية من رؤية المملكة، وسياستها المعلنة، ولم يُذكر عنه محاولته فرض أجندة مختلفة عما تؤمن به حكومته، أو حتى إبداء رأي مخالف لما قام به من عمل دبلوماسي. التطابق التام بين رؤيته الخاصة ورؤية القيادة السياسية وإيمانه بما يقوم به من عمل ضاعف من قدراته الدبلوماسية، وأكسبه المصداقية وقوة التأثير على الآخرين. إخلاصه التام لقيادته جعله ملتزماً برؤيتها، متقمصاً شخصيتها في جميع القضايا، ولم يسمح لنفسه قط بأن يكون له رأي آخر، حتى في جلساته الخاصة.
في اجتماع خاص بالجمعية السعودية لكتّاب الرأي تحدث الأمير سعود بشفافية عن جميع القضايا السياسية دون تحفظ، وأكد أن المملكة تنتهج الشفافية والوضوح في علاقاتها الدبلوماسية، وآرائها تجاه القضايا الدولية، وأنها لا تمتلك سوى موقف واحد منها، هو الموقف المعلن. وفي تناوله للملف الإيراني قال إن السعودية تؤمن بأخلاقيات العمل السياسي، وتضع مصالح الدول العربية والإسلامية نصب عينها في جميع تحركاتها، وإنها لن تقبل القيام بأية أعمال تتعارض مع نهج الإسلام والقوانين الدولية، في سعيها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية التي دائماً ما تكون متوافقة مع مصالح الدول الإسلامية والعربية.
للأمير سعود الفيصل كاريزما خاصة، وهيبة ومصداقية شهد بها الأعداء قبل الأشقاء والأصدقاء. أحبه السعوديون والعرب حياً، ونعوه بعد وفاته بطريقة استثنائية، لا تليق إلا بالزعماء، وهو في منزلتهم ولا شك.