د. أحمد الفراج
قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق النووي بين الشيطانين، الأكبر والأصغر، كتبت مقالاً في هذه الجريدة الموقرة، بتاريخ 11 يوليو، وذكرت فيه أن الاتفاق النووي كان قد تم، في اللحظة التي وصل فيها الرئيس الإيراني روحاني إلى نيويورك، قبل أكثر من عام، وأن ما يجري على ضفاف بحيرة جنيف ليس إلا «مناورات تشويقية»، ليتم أعطاء هذا الاتفاق زخماً إعلامياً أكبر، من جهة، وليتم إقناع الناخب الأمريكي، والذي لا يكن وداً لإيران، أن إدارة أوباما لم تحصل على هذا الاتفاق مع الشيطان الأصغر بسهولة، بل بذلت جهوداً كبيرة، ومضنية، تولى زمامها السيناتور، ووزير الخارجية، جون كيري، القريب جداً من حكومة إيران، وملاليها. وكان اللافت، والذي يدل على سذاجة سياسية مفرطة، هو اللطم الذي مارسه أتباع تنظيمات الإسلام السياسي في الخليج، وفي السعودية تحديداً، فقد لا يكون هذا الاتفاق مرغوباً فيه من قبل حلفاء أمريكا التقليديين، ولكنه ليس بالسوء الذي رسمه «كهنة» تنظيم الإخوان!.
لا أحد يعلم، حتى الآن، كيف سيسير الاتفاق، كما لا يعني إبرامه أنه سيستمر للأبد، فتنفيذه مربوط بشروط قاسية، ومتى ما تم الإخلال بأحدها، فإنه قد ينقض بكل سهولة من قبل الرئيس الأمريكي القادم، كما أنه، وفي عالم الشرق الأوسط الملتهب، والمتغير، لا أحد يضمن أن يبقى الساسة الإيرانيون، الذين وافقوا على هذا الاتفاق في الحكم، فكل شيء وارد، ويتفق معظم المحللين على أنه لا يوجد منتصر من خلال هذا الاتفاق، ومع ذلك فقد انتهز أعضاء تنظيمات الإسلام السياسي في الخليج هذه الفرصة، وبالغوا في تأكيد أن إيران انتصرت!!، فقد استشهد المغرد السعودي «المضطرب» بمقولة والدة الحاكم الأندلسي، الذي أضاع حكم بلاده، في إشارة حقيرة إلى حكومات الخليج!!، وتبعه كبير السروريين، والذي تشبه علاقته بالسياسة علاقة شعبان عبدالرحيم بعلم الفيزياء النووية، وقال هذا الداهية إن أفضل رد على الاتفاق النووي الأمريكي- الإيراني هو إطلاق سراح السجناء، الموقوفين على ذمة قضايا الإرهاب!!، وقد بذلت كل جهد ممكن، في محاولة لفهم الرابط بين الاتفاق النووي، وبين المطالبة بإطلاق سراح سجناء، تم الحكم على كثير منهم شرعاً، ولكني أخفقت إخفاقاً ذريعاً، وبانتظار من ينورني بهذا الخصوص!!.
إن ما فعله أتباع تنظيمات الإسلام السياسي، بعد الاتفاق النووي، هو ابتزاز مفضوح، ومحاولة لـ»لي الذراع»، وهذا ديدنهم كلما توهموا أن وطنهم في خطر، فقد فعلوها في حرب الخليج الثانية، وزمن التثوير العربي، ولكني، أبداً، لم أتوقع أن تصل سذاجتهم وحمقهم إلى هذه الدرجة، إذ بدا الأمر وكأنهم يقولون: «ها هو الغرب يتحالف مع إيران، وها هي إيران تعود دولة قوية، ولا حل أمامكم، يا أهل الخليج، إلا تمكين «تنظيم الإخوان»، أي أنهم يلمحون إلى أنهم هم من سيقف في وجه الأطماع الإيرانية، وكأن ذاكرتنا قصيرة، ولا نتذكر ما فعله التنظيم الدولي للإخوان حيال إيران، عندما ارتقى إلى كرسي الحكم في مصر، ويظل الأمر المؤكد، وهو أن تنظيمات الإسلام السياسي تكن كرهاً عميقاً لكل من وقف ضد طموح التنظيم الدولي للإخوان، منذ إسقاط الشعب المصري للتنظيم، وهي على استعداد أن تتحالف مع أي أحد، بما في ذلك إيران، في سبيل استعادة التنظيم لبريقه المزعوم!!.