د. أحمد الفراج
يبدو أن الجريمة العنصرية البشعة، والتي ذهب ضحيتها تسعة من المتعبدين السود، في كنيسة تاريخية بمدينة تشارلستون، بولاية ساوث كارولينا، قد هزت الوجدان الأمريكي، بشكل كبير، فلم يكن أكثر المتفائلين يحلم بأن يتم إنزال علم الولايات المتحدة الكونفيدرالية من على رأس السارية، في قلب ميدان عاصمة الولاية، ويحفظ في متحف تاريخي خاص بهذه السرعة، وهذا هو ما يميز الأمم الحية، إذ إنها تتفاعل مع كل حدث، وتكون ردود أفعالها ايجابية في الغالب، ولا جدال في أن حاكمة الولاية، نيكي هيلي، والتي وقعت القانون الخاص بإزالة العلم العنصري، قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وجدير بالذكر أن الحاكمة هيلي، هي أمريكية من أصل هندي، فهي ابنة مهاجر هندي من طائفة السيخ، واستطاعت أن تصل إلى حاكمية هذه الولاية الجنوبية المحافظة، وهذا أمر يستحق وقفة مستقلة .
إزالة العلم الكونفيدرالي، والذي يرمز للعنصرية، حيث إنه هو علم الولايات الجنوبية التي انفصلت عن الإتحاد الأمريكي في عام 1861، احتجاجا على قرار الرئيس ابراهام لينكولن بتحرير السود من الرق!!، جاءت بعد أن صوت كونجرس الولاية بالأغلبية لصالح هذا القرار، وذلك بعد مداولات تاريخية، وتحديدا بعد كلمة عضو كونجرس الولاية، جيني هورن، وهي الكلمة الفصل، إذ كانت قوية وعاطفية، وحسمت الأمر بإزالة العلم العنصري ، خصوصا وأن السيدة هورن هي حفيدة رئيس الولايات الكونفيدرالية الأمريكية الانفصالية ، جبفرسون ديفز، والذي حكم نصف أمريكا، بين عامي 1861 و1865، إذ كان الرئيس التاريخي، إبراهام لينوكولن يحكم النصف الآخر!!، ولم يكن أكثر المتفائلين يحلم بأن يتم الأمر بهذه السرعة، ويبدو أن كلمة السيدة هورن، وتعاطف الشعب الأمريكي مع ضحايا هذه المجزرة، وكذلك حضور الرئيس اوباما لحفل تأبين الضحايا، وإلقاءه لكلمة مؤثرة، ولا أحد يستطيع أن يمسك بتلابيب اللغة ويوظفها مثل اوباما، المعروف بفصاحته، كلها عوامل ساهمت في انجاز هذا القرار التاريخي.
لن يكون صدور هذا القانون هينا على المحافظين البيض في الجنوب الأمريكي، والذين يعتبرون علم الإنفصال جزء من الإرث التاريخي لهم، كما يعتبرون إزالته إهانة لهذا الإرث، ولذا فقد أعلنت منظمة الكلو كلس كلان العنصرية عن مسيرة ضخمة في عاصمة الولاية، احتجاجا على إزالة العلم، وربما سيشهد المستقبل تطورات غير متوقعة للمشهد، ولكن لن يستطيع أحد إعادة التاريخ إلى الوراء، فقد أزيل هذا العلم العنصري، وهكذا هي الأمم الحية بتفاعلها مع الأحداث، وقد استوقفني هذا الحدث، والذي انتهى باستصدار قانون حازم، في وقت قياسي، وقارنته مع الموقف المتراخي لبعض المشرعين هنا من «قانون» التحرش»، وقانون «الطائفية»، وفي النهاية، يتأكد، مرة بعد مرة، أن «القانون»، والقانون وحده، وتطبيقه بصرامة، هو الضمانة الوحيدة لاستمرار حياة الرخاء للشعوب!!.