د. عبدالرحمن الشلاش
في صلاة الجمعة الماضية، آخر جمعة في شهر رمضان المبارك، أثلج صدورنا خطيب مسجدنا - جزاه الله خيراً - عندما ألح بالدعاء لجنودنا البواسل المرابطين في الحد الجنوبي سائلاً الله أن يقوي عزائمهم، ويثبت أقدامهم، وينصرهم على أعداء الوطن، ويجزيهم خير الجزاء على قيامهم بواجباتهم لحراسة مقدسات وأمن الوطن.
وذكَّر الإمام بنعمة الأمن والأمان التي لم تكن لولا فضل الله ثم شجاعة رجال القوات المسلحة ورجال الأمن، وقال «نحن ننعم بالراحة والهدوء، ونمارس حياتنا الطبيعية، وهم قد ضحوا بكل هذا وتركوا أسرهم ليقفوا في خط المواجهة مع العدو معرضين حياتهم للموت، فليس أقل من أن ندعو لهم بالنصر والتمكين؛ فهم جنود الإسلام والمجاهدون الحقيقيون، نفروا لحماية البلاد تحت راية الوطن، وبأمر من ولي الأمر».
هذا نموذج قام بواجبه انطلاقاً من موقعه أمام وخطيب جامع كبير، يؤمه مئات المصلين، واستشعاراً لواجبه الوطني صرف دعاءه لمن يستحقون الدعاء في نهار وليالي رمضان، وبخاصة أن بلادنا تستنفر كل قواها لحماية الوطن ودحر المعتدين، وكل جيوش الضلال والظلام.
ما قام به هذا الخطيب يجب أن يقوم به كل إمام جامع أو مسجد على امتداد الوطن. والمسؤول عن التأكيد على الأئمة والخطباء الجهة المسؤولة عن المساجد في وزارة الشؤون الإسلامية، التي أرى وأشاهد أنها تعاني من الاختراقات؛ فهي قد تصدر التعليمات، وتؤكد على الجميع بالالتزام، لكنها لا تتابع تطبيق التعليمات؛ لذلك هناك فئات تضرب بالتعليمات عرض الحائط عامدة متعمدة وبعناد غريب!
لسنوات طويلة ونحن لا نسمع من الأئمة والخطباء من يدعو ويلح بالدعاء لمن يحافظون على الأمن داخل البلاد، ولمن يقفون في خطوط المواجهة مع الأعداء، ولمن يطيحون بعصابات تهريب المخدرات عبر المنافذ الحدودية، ولمن يسهرون على راحة المواطنين من رجال الأمن، ولمن يرابطون لخدمة حجاج بيت الله الحرام وكذلك المعتمرين، ولمن يقفون بالمرصاد أمام محاولات التسلل، ولمن يقبضون على عصابات السرقات، ويطيحون بالمجرمين. لم نسمع من معظم هؤلاء الذين يصدحون بأعلى أصواتهم، وتخترق كلماتهم الجدران، ولو بضع دعوات لمن يعرضون أنفسهم للأخطار من أجل أمن الوطن وراحة من بداخله من مواطنين ومقيمين.. ألا يستحقون الدعاء في نظر هؤلاء الأئمة، وقبل الدعاء الشكر على ما يقومون به، مع توضيح جهودهم للناس لإزالة ما يلبس على بعضهم من قِبل أصحاب الفكر المنحرف وأهل التوجهات الحزبية ومن يميلون بقلوبهم لكل إرهابي سفاح ومجرم؟
اصطبغت بعض الخطب المنبرية والوعظية والقنوت في صلوات التراويح والقيام ردحاً من الزمن، وإلى يومنا هذا، بالدعاء لمن يرونهم مجاهدين حقيقيين، ويذكرونهم نصاً فيقول بعضهم «اللهم ثبت إخواننا في مصر»، والسؤال: ضد من؟ رغم أن في مصر حكومة! ويدعو بعضهم كما يرددون «اللهم انصر إخواننا في بلاد الشام والعراق واليمن»، فمن هم المجاهدون في تلك البلدان؟ رغم أننا لا نعرف في تلك المناطق إلا داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات الإرهابية؟ فهل خرست ألسنتهم ولو بدعوة صادقة من القلب لمن يدافعون عن الوطن؟! اللهم انصر جنودنا البواسل وسدد رميهم.