د. عبدالرحمن الشلاش
في شهر رمضان المبارك أصعب ساعة في أي يوم من أيامه الفضيلة الساعة التي تسبق لحظة الإفطار. في هذه الساعة يحدث كل شيء ويقع ما لم يكن في الحسبان، والسبب ببساطة أن الكل صائم والكل يريد أن يلحق على عمره ويصل إلى منزله قبل أن تمتد الأيدي لتناول اللقمة الأولى من لذيذ الموائد الزاخرة بأطايب الطعام.
سيكون حظك سيئا إن كنت خارج المنزل في هذه الساعة الخطرة جدا وبالذات في مدينة مزدحمة مثل الرياض إلا إذا كنت من الذين يتمتعون بسعة الصدر ورباطة الجأش والقدرة الفائقة على تجاوز المواقف الصعبة والمهارة في تطنيش حركات «النص كم» من بعض النفسيات العجيبة غير المحتملة في الأيام العادية أيام الرخاء والبطون ممتلئة والأفواه رطبة ناهيك أن تتحملها تحت وطأة الجوع والعطش. إن كنت نفسية لا تتحمل حتى نفسك أو عصبي إلى الحد الذي يجعلك تقطع في شعرك وتمزق في ثيابك فأولى لك أن تبقى في منزلك إلى ما بعد الإفطار وهو الحل الأمثل لكثيرين قلوبهم ضعيفة وأجسامهم مترهلة أو نحيلة لا تقوى على الالتحام بالبلدوزرات البشرية من أصحاب الأجسام المفتولة والعقول الصغيرة وهم من يبحثون عن أي شيء ليخلقوا منه مشكلة تنتهي بمأساة يكون ضحيتها واحدا من ذوي القدرات المحدودة جنى عليه لسانه حين قذف بكلمة بذيئة تحت وطأة ضغوطهم فكان جزاؤه إفطارا جماعيا قبل الإفطار على يد من صام عن الأكل والشراب وأفطر على أجساد الضعاف.
في ثالث يوم من رمضان كنت في مهمة لإحضار بعض الاحتياجات من السوبر ماركت القريب من منزلي والتي وصفت لي بأنها مهمة جدا ومستعجلة وغير قابلة للتأخير, وطبعا فما أكثر الأشياء المهمة جدا لدى الأسرة في رمضان حتى ولو كانت شمعة صغيرة لوضعها في الفانوس كي تزين المائدة حين إشعالها لتضفي أجواء رومانسية وتزين الصورة التي سيتسابق لالتقاطها بعض مراهقي العائلة وصغارها ليضعوها في حساباتهم بالإنستقرام ويغيضوا أصحابهم وما فيه أحد أحسن من أحد ويا قلب لا تحزن. عند دخولي السوبر ماركت لاحظت كثرة المتسوقين رغم أنه لم يتبق على الإفطار إلا ساعة واحدة وهو الأمر الذي جعلني أسابق الوقت لجلب الأغراض ووضعها في العربة ثم المضي للكاشير لدفع الحساب وعندما وصلت وجدت صفا طويلا فوقفت مع الواقفين. كان أمامي ستة متسوقين وكان الوقت اللازم للمحاسبة ثم الخروج من المكان حوالي عشرين دقيقة، في هذه الأثناء يبدو أن أحد المستعجلين وكان مفتول العضلات وكأنه قد خرج لتوه من صالة حديد حاول أن يقتحم الطابور باحترافية يظهر أنه قد تدرب عليها في مواطن كثيرة لولا أن أحد الواقفين الخائفين على أدوارهم من الضياع نبهه بطريقة مؤدبة ليرجع كي يأخذ دوره في آخر الصف وبدلا من الامتثال رد عليه باستخفاف بقوله انتبه لا يطق فيك عرق وهنا حدثت ملاسنات ثم التحام انتهى بتدخل أهل الخير وإقناعه ليقف في طابور آخر أقل ازدحاما.
ساعة قبل الإفطار لحظة عصيبة في المحلات وعند إشارات المرور، وفي الطرقات سيارات تسير بسرعة الصاروخ. أغلب الحوادث تقع في هذه الساعة من نهار رمضان حسب الإحصاءات فقليلا من الهدوء فالفطور لن يطير وإذا كنت لا تستطيع فالزم بيتك كي تسلم!