عبدالعزيز السماري
تداولت وسائل الإعلام خبر صفعة وكيل وزارة لمواطن في العقد الثامن من عمره، وانتصار المواطن في دعوى قضائية لاسترداد كرامته المهدرة، بعد أن قررت المحكمة الجزائيه تعويضه بـ 100 ألف ريال، وتم إنهاء القضية بين الطرفين بـ»الصلح»، على الرغم أن المحكمة حكمت بالتعزير على وكيل الوزارة.
في المجتمعات التقليديه يُصفع الوجه لغرض الإهانة والحط من قدر الآخر، وليس الغرض منه إلحاق الأذي البدني، ولكن لإذلال الآخر وإهانته، وتعطي إشارة لما يكتنفه المجتمع من فوقية وعدم احترام لحقوق الإنسان، وتستخدم بكثرة ضد النساء والأطفال، وذلك لأغراض التأديب، بينما هي غير ذلك، وتلحق كثيراً من الأذي النفسي للمصفوع.
وتستخدم مفردة «صفع» أكثر في اللغة العربية، بينما يكثر استعمال «الصفق» في اللهجة الدارجة، وكلاهما صحيح في لسان العرب، مع اختلاف في المعنى، فالصفع إذا ضرب بِجُمْعِ كَفِّه قفاه، بينما الصفق الضرب الذي يسمع له صوت، ولهذا يكون الضرب على الوجه أو الخد أقرب «للصفق» من الصفع، بينما لم أجد أثراً للكلمة الدارجة «السطر» في لسان العرب، ويستخدمها بعض العامة في المجتمع السعودي كثيراً في قولهم «أسطرك كف على وجهك»..
ويُستفاد من انتشار هذه الجملة التهديدية أنها عادة ووسيلة شائعة لدينا، ليس لغرض الأذى البدني، ولكن لإذلال الآخر «بسطره كفاً على وجه»، وفلسفة التحقير والتصغير للآخر ثقافة لها جذور في المجتمعات المغلقة، على طريقة «من عرفك صغيراً حقرك كبيراً»، وتظهر في انتشار تصغير أسماء الأشخاص والعائلات، وفي التنابز بالألقاب، وفي استخدام الوصمة لمعرفة الأشخاص فيقال فلان الأعور وفلان الأعمي وفلان الأبرص.
تدخل عادة البصق في وجوه الآخرين في العادات القبيحة جداً في المجتمع، والتي يستخدمها بعض الناس للتقليل من شأن الآخر وإذلاله، وربما تعد أكثر انتشاراً من الصفع، وقد نحتاج أكثر من حكم قضائي لإيقاف هذه العادة السيئة، والتي تَنُمّ عن تخلف عميق في المجتمع، بالإضافة إلى أنها وسيلة لانتشار أمراض مثل الدرن وكورونا وغيرهما من الميكروبات المعدية.
أما الضرب بالنعال لغرض الإهانة، فقد اشتهر بها العراقيون، وكان أشهرها حادثة منتظر الزيدي عندما صوب «حذاءه» في اتجاه الرئيس الأمريكي بوش الابن، وحضر الحذاء أيضاً في سقوط صدام عام 2003. إذ عرضت الفضائيات رجلاً يضرب صورة صدام بفردة حذائه، وكان رد صدام حسين على القاضي في المحاكمة بعد سقوط نظامه «أي حكم بالإعدام على كندرتي»
في المجتمعات الغربية يختلف الأمر، وتنتشر ثقافة الضرب على المؤخرة بدلاً من الوجه، ويسمى باللغة الإنكليزية Spanking وهو الضرب على الأرداف بواسطة اليد أو عصا، وأحياناً يستعمل الحزام أو فرشاة الحمام، وضرب المؤخرة هو الطريقة الشائعة في عقاب الأطفال والمراهقين في المدارس والعوائل البريطانية وانتشر منها إلى كثير من الدول، بينما يستخدم الأمريكان الضرب على طريقة الملاكمة للاعتداء على الآخر.
فحوى الحديث عن هذه المسألة يدور حول كرامة الإنسان، والتي تتعرض للإهانة في كثير من المجتمعات الشرقية، في حين أن احترامها وعدم المساس بها يعطي إشارة حقيقية على حضارة المجتمع، وعندما يتقدم القضاء للنظر في مثل هذه القضايا، فأعلم أن ثمة تغييراً إيجابياً قد حدث في ثقافة حقوق الإنسان، وقد يكون مدخلاً للنظر في مختلف القضايا التي تدخل في قضية الإذلال للآخر إما بالضرب أو الصفع أو الكلام البذيء، ويدخل في ذلك هضم الحقوق والتسلط على الآخرين.
لذلك علينا أن نقف احتراماً للقاضي الذي أعلن بحكم التعويض والتعزير ضد وكيل الوزارة موقفاً حازماً ضد هذه العادة الشنيعة في مجتمعنا، ونطالب أن يفتح القضاء أبوابه للنظر في قضايا حقوق الإنسان بمختلف أنماطها، وقد تزدحم المحاكم لوقت قصير بتلك القضايا، لكنها ستنتهي مع إقرار أحكام التعويض والتعزير لمن يستغلون مناصبهم أو منزلتهم الاجتماعية للإذلال بالآخرين.
والله المستعان.