جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد تعدد العمليات الإرهابية، وازدياد خطر الإرهابيين التي طالت عملياتهم الإجرامية دولاً لم يكن أحد يتصور أن تشهد أعمالاً إرهابية قبل أعوام، إذ لم يتصور أحد قبل عشر سنوات فقط أن تكون تونس مهددة بالإرهاب، وأنها إحدى الدول المستهدفة، أيضاً مَنْ كان يتصور أن تشهد دولة الكويت تفجيراً إرهابياً يطال واحداً من المساجد الكبيرة في وسط البلد.
توسع الإرهاب واستهدافه دولاً معينة واختيار المنظمات الإرهابية لنوعيات مختارة من الشباب لتنفيذ الأعمال الإرهابية تتطلب دراسات جادة وعميقة، وألاَّ تقتصر على شريحة معينة من الباحثين والعلماء، بحيث يشارك جميع المفكرين من كل الاتجاهات، وألاَّ يقتصر على طلاب العلم من رجال الدين. وقد تناقشتُ قبل مدة مع أحد الأعضاء الكبار في لجان المناصحة عن سبب حصر عضوية هذه اللجان بطلاب العلم من أصحاب الفضيلة المشايخ والعلماء، وترك المختصين من علماء الاجتماع والفكر وعلماء النفس والأطباء والأدباء الذين يستطيعون من خلال مشاركتهم جميعاً في درس حالات الإرهابيين، وأن يواجهوا من تورطوا في الانتماء للمنظمات الإرهابية، ويقدموا لهم الإجابات التي يبحث عنها هؤلاء المشتت فكرهم، إجابات تجمع بين الانتماء والإيمان الديني والعلم التجريدي والبحثي، كعلوم الاجتماع وعلم النفس وحتى الاقتصاد والسياسة. فقد لاحظ من تولوا دراسة حالات الإرهابيين أن جميعهم من الشباب، إذ تنحصر أعمارهم بين الثمامنة عشرة إلى منتصف الثلاثين، وأن هؤلاء الشباب يشعرون بأنَّ حياتهم لم يعد لها قيمة.
العلماء والمختصون وحدهم من يستطيع أن يقدم الإجابة الشافية لهؤلاء الشباب التي تعيدهم إلى التعلق بالحياة وحب العيش، وأن يكونوا متوازنين في العمل الخير الذي يكون زاداً لهم في الآخرة مع التمتع بمباهج الحياة دون تجاوز للضوابط الشرعية، فهؤلاء الشباب الذين قنطوا من الحياة ولم يكتشفوا حسنات العيش الكريم والتمتع بمباهج الحياة والعمل للآخرة أصيبوا بلوثة فكرية تستوجب العمل والتدخل من العلماء المختصين للحصول على إجابات مقنعة، لماذا أصبح الشاب الذي يتجه للإرهاب مقتنعاً بأن حياته لم تعد بها قيمة، فيفجير نفسه ليقتل نبض الحياة في روحه وجسده، وأرواح وأجساد الآخرين؟ هذا الشعور الذي أصبح ملازماً للشباب، إذ نرى أن جميع العمليات الانتحارية يقوم بها الشباب، وهنا يتبادر إلى الذهن ما نريد إجابة عليه من علماء النفس والاجتماع والمفكرين، هل ما يقوم به الانتحاريون الشباب حالة سياسية أم نفسية، وهل هي نابعة من تفكك وتهميش مما يؤدي إلى تنامي التطرف في ظل سقوط المرجعيات وغياب نماذج ورموز كانت تمثل نموذجاً يُقتدى به، يؤخذ بنصائحها وقيادتها للمجتمع! وقد لاحظنا فقر المجتمعات التي يخرج منها الإرهابيون من إنتاج مفكرين ورموز فكرية وثقافية ودينية تصلح أن تكون مرجعيات موجهة للمجتمع، وافتقار المجتمع إلى شخصيات وقادة مفكرين جعل بعض الشباب ينخرط في المنظمات الإرهابية التي تدفع بهم لتنفيذ العمليات الانتحارية، بعد أن أصبح مؤمناً بها ومقنعاً بما وصل إليه من آراء لُبِّستْ لَبُوس الفتوى، وتقدم له أجوبة قطعية مبسطة للواقع، أجوبة سطحية صادرة عمَّن تلبس التوجيه وهو يفتقر إلى أهم مقومات من يتصدى لذلك، وأهمها تعزيز ينابع الخير ومواجهة الشر، وتقديم المنفعة على الضرر، مما يؤكد عدم اكتمال نضجه العلمي، مع ذلك يتجرأ على تقديم أجوبة لا يمكن الجزم بصحتها، وهذا ما يفرض على العلماء من طلبة العلم الديني والمفكرين وعلماء الاجتماع والنفس والاقتصاد والسياسة أن يتصدوا لهذه المهمة حتى يمكن إبعاد الجهلة عن توجيه الشباب.