د. عبدالرحمن عثمان المرشد
انتصر الحب، بهاتين الكلمتين زف الرئيس أوباما خبر إقرار المحكمة العليا لعقد زواج المثليين في الولايات المتحدة الأمريكية. خبر صادم للشعوب المتدينة والمحافظة والمتعقلة، على اختلاف معتقداتهم الدينية وانتماءاتهم الثقافية وما وصلوا إليه من حضارة.
لو عدنا للوراء بضعة قرون من الزمن لعرفنا أن إجراء الزواج في المجتمعات الغربية في دور العبادة هو عرف يأمل فيه الزوجان حصول البركة لزواجهما وليست قانونا ملزما، كما أن الفتح الإسلامي في مصر الذي قاده الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه هو الذي وضع للكنيسة مكانة في حياة الناس، ومما جاء في إحدى مقالات الكاتب القبطي. د. إكرام لمعي ما نصه: ففي كتاب عمرو بن العاص بالأمان للبطريرك بنيامين يقول: (فليحضر آمنا مطمئنا ويدير حال بيعته وسياسة طائفته) وهكذا صدرت الوثائق الواحدة تلو الأخرى بأن البابا مكلف بتنظيم الشئون الداخلية لجماعته من زواج وطلاق وميراث، وهو ما لم يحدث في أي بلد آخر، ربما لأن الإسلام لا يفرق بين الدين والدولة والسياسة.أ.هـ - انظر مجلة روز اليوسف العدد الصادر بتاريخ 28-3-2009م.
معلوم أن أوروبا وإن كان نظامها علمانياً تفتخر بمسيحيتها والكنيسة معظمة في نفوس أهلها وإن كانت في ما بعد قد ثارت عليها وتمردت على تعاليمها، أما أمريكا فهي خليط بين الشعوب ولا يوجد بها دار عبادة أثري يعظمه الناس لذا ومن كلام من خالط أهلها فالدين ربما يكون شيئا هامشيا، لهذا انتقد بعض الأمريكان جورج بوش الأب لما قصد الكنيسة باكيا عشية حرب تحرير الكويت، كما زل لسان ابنه بوصفه الحرب على الإرهاب بالحرب الصليبية إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فالعقد الذي ينظم أمريكا ليس دينيا، ولو نظرنا إلى العلاقة الجنسية بين الجنسين فيها نجد أن لا قيود ولا ضوابط تقيدها، ويعتبرونها من الحقوق الطبيعية ويعاقب من يمنع من تحت ولايته عن ممارسة هذا الحق خارج إطار الزوجية كما يندر أن نجد قانونا يسمح بتعدد الزوجات.
نتج عن ما سبق وخلال أكثر من نصف قرن نقص رهيب في عدد المواليد وبالتالي أثر هذا على التنمية والتعاملات الاقتصادية، فاضطرت حكومات هذه الشعوب أن تسن قوانين تسمح بالهجرة إليها، فهي لا تملك إجبار الناس على الزواج والتناسل.
من الذي استفاد من هذا القانون؟ إنهم المسلمون، نعم المسلمون.
في فترة مضت من القرن الماضي، وقعت العديد من الدول النامية ضحية للانقلابات الغير مدروسة، والتي هوت بقيمة عملتها واستشرى الفساد الإداري فيها وربما كانت الديكتاتورية سمة حكمها، فوقع أبناؤها أسرى البطالة، لهذا كان قانون الهجرة الذي أراد به الغرب حل بعض مشاكله، فتحا لأبناء هذه الشعوب.
وربما سهلت بعض الدول النامية لشبابها إجراءات الهجرة، ناظرة إلى فائدتين مرجوتين، الأولى تخفيف أعداد العاطلين، والأخيرة الاستفادة من التحويلات المالية منهم.
نأتي لهذا المهاجر، هو مسلم على أي حال كان التزامه الديني، سيظهر حتما الفرح بدخول شهر رمضان ويصطف مع غيره لأداء صلاة العيد وأضعف الإيمان سينحر أضحيته، بهذا تظهر شعيرة من شعائر الإسلام في مدينة أو قرية لم يسبق لها أن سمعت بالإسلام.
هذا المهاجر غالباً سيختار العلاقة الجنسية تحت مظلة الزواج الشرعي ممتثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) - سنن النسائي الحديث رقم (2050) - وهو إما أن يتزوج من نساء البلد المقيم فيه والذي عزف شبابه عنه أو من ديانته، أياً كان اختياره، فهذا الزواج سينتج عنه أولاد، ينسبون بقوة القانون إلى والدهم، أي مسلمون.
يمضي من السنوات مقدار جيل ثلث قرن، تظهر في أرجاء هذه البلاد أقلية مسلمة، سواء كانت من أصول عربية أو أعجمية، وبالتالي سيحسب حسابها في التشريعات والانتخابات، ولهذا بحث المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته 19 عام 1428هـ مسألة حكم مشاركة المسلمين في الدول الغير مسلمة في الانتخابات منتخبين ومنتخبين- بكسر الخاء في الأولى وفتحها في الثانية.
الإعلامي المتميز أحمد الشقيري، ناقش في خواطر 10 في الحلقة 27 موضوع فناء البشر في اليابان، وظهر جليا أن السبب الرئيس هو عزوف الناس عن الزواج الفطري وانعدام الرغبة في الإنجاب، واظهر في حلقته تعطل مدارس ومستشفيات جراء تناقص سكان بعض القرى إلى نسبة تصل إلى 90%، وربما يفسر هذا نقل اليابان إنتاجها إلى دول مكتظة بالسكان كاندونيسيا المسلمة، فأكسبت غيرها مصانع دارت عجلتها بيد أبناء مضيفيها.
واليوم ونحن نتلقى بامتعاض شديد خبر إقرار زواج المثليين، وهو كارثة إنسانية وخروج عن الفطرة السليمة، فإننا نقول: إن من سن في ما مضى جواز العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج بدعوى حماية الحريات لم يدرك بفكره القاصر ما سيؤول إليه وطنه باندثار سكانه الأصليين، وهو الآن يكمل بهذا القانون الشنيع مشروع فناء عرق ارتبط اسمه بتلك الأرض.