للراحلين من الهوى عنوة، من طريق العاشقين بالعبق والهواء الحي، في زهرة المدائن، مدينة الصلاة والسلام، والأزقة المطرزة بتاريخ مر عليه عاشق قَدِمَ رافعاً قبعته لأسوارها وباحاتها وبقت مرفوعة شامخة.
مدينة المعجزات والإسراء والروح فينا، مدينةٌ أُسرت عروس بثوبها الأبيض المعلق بين سماء الرب وأرض الجند، لا يغيب المرابطين البسطاء فيها من المقدسين عنها، هم العاديون في صَلاتهم والمحبون لقدسهم أكثر من عروبة حاضنة لأُمةْ!
خمسة عشر باباً وأربعةُ أحياءٍ، وثلاثة جبالٍ وعينٌ واحدة، تَلتين والبلدة القديمة ومخيم ومستوطنيتن وشارع يمسي «بشارع غزة» أهم شارع في حي رحافيا اليهودي.
تكون هذه المعالم بشرقي القدس، أما شارعنا الممتدد على الطريق من باب الخليل بالبلدة القديمة إلى البحر الأبيض المتوسط مروراً بغزة خلال النصف الأول من القرن العشرين، كان معظم سكانه من الأثرياء اليهود الألمان الذين حافظوا على نمط الحياة الأوروبية فيه. إذاً ليس ذنبي المحاصر ولا ذنبك بعدم تمكننا من المحافظة عليه من ثقافتنا المنسية هناك!
ولكن يبقى السؤال، إلى أي مدى نعرف وحاولنا التعرف على خريطة القدس وبؤر الصراع فيها؟ هل لديك صديقٌ أو صديقة مقدسية؟ هل تدرك الحياة الحياتية وصعوباتها على المقدسيين، غير تلك التي تخرج بالعناوين الحمراء على وسائل الإعلام كخبرٍ عاجل؟!
وضعت سؤالي على صفحة حوارية وقد لقيت عدداً كبيراً من المشاركات والتعليقات، وقد قرأت بعناية تلك التي خرجت من عرب 48 أو المقدسيين أنفسهم، يعاني هؤلاء من تدهور الأعداد النشطة والتي أصبح معظمها من النساء ومرابطي المسجد الأقصى، وذلك لما يلحق بالشباب المقدسي من الاعتقالات المستمرة، عدا عن انتشار المخدرات والتغيب الفكري لهم، ولكن يقول من منهم أيضاً أنهم لا يتهاونون ولا يقصرون في الدفاع عنها، وقد باتت سبل الحياة صعبة والمتطلبات من قوات الاحتلال في وضعها التعجيزي.
أما شباب غزة فكان الشيء الملحوظ هو ربط معظهم للبرنامج الغنائي أرب آيدول، والابتعاد عن تفاصيل الخبر أو مجرياته فنَقلت نقاشاً كان محوره متداولاً على صفحات الفيسبوك، وهو بعد استشهاد معتز حجازي من الحي الثوري بالقدس، طوق جنود الاحتلال أحياء القدس وأغلقوا أبواب المسجد الأقصى للمرة الأولى على مر تاريخ الصراع. توجه النقاش لمحور سياسي يقول القدس فعلياً تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل، وقانونياً ما زال الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقدم السلام بديلاً عن الحق الفلسطيني وحق مقدساته. أما شعبياً تفرعت الآراء وراحت حيث لا ندري من اندهاشات لقدرات الناس في التحليل والميول إلى الأجوبة التي تحمل تبريراً كافياً لقول ما يجده صحيحاً أو نافعاً للقدس حسب رأيه أو لآخرين راحوا لمنطقة ثانية أثارت الحديث الأكبر حيث إنهم ربطوا ما يقدمه مشتركون في أرب آيدول من شمال فلسطين بما يحدث بالقدس!
يكتب منير محمد على صفحته «بدل ما نغني للقدس ندافع عنها وبكفي متاجرة باسم الوطن واسم القدس يتصقف عليه وهي منكوبة».
ويغرد سمير «القدس أغنية، بدناش نصقف عليها، بدنا فلوس العرب تروح لدعم المرابطين وشباب القدس، يدفعوا حق الأرنونة».
أما ساليت كتب «منى الموسى لا تغني للقدس فقط لأنها ترسل رسالة مهمة توصل في صوتها ولباسها ألم القدس وقوتنا في تحريرها عبركل ما يؤثر بالناس».
أما عدد لا بأس فيه كتب «بدل ما يحضر العرب أرب ايدول يروح يشوف القدس، القدس منسية والأقصى رهينة دل أنو ما حدا مهتم، الله..»
أما الحقوقي عامر يثير أنه «لا ينبغي المطالبة بإزالة ما يعطي الشرعية لوجود الأصل، كأن نستنكر إزالة الزجاج بين أهل المعتقل والمعتقل نفسه بالسجن، ووجود السجن أصلاً يخالف القانون على أرضنا المحتلة، وهذا ما يحدث بالقدس أن الاحتلال يتغلل في حياتنا ويؤثر على كل مناحيها وينتشر بكل بقعها ونستنكر دخولهم المسجد، هو أصلاً مقسم والاستيطان لم يتجمد وبناء المستوطنات مستمرٌ، لم يستنكر أحد وقت ما هُدمت بيوت في صورباهر أو سلون أو العيسوية، ولم تتحرك المؤسسات الحقوقية، من يعيش في البيت ومن شُرد ومن بالمُعتقل هو من سيدافع عن القدس، إن راحوا هؤلاء راحت القدس».
ولما لا نقول إن الشأن تضامني وإنساني بحت، وأين يغيب دور العلماء المسلمين في هذا الشأن، ذهبنا هاتفياً إلى المغرب متسائلة عن دور الرابطة الإسلامية للعلماء والخطوات الفعلية، يجيب عزيز هناوي عضو في الرابطة الإسلامية للدفاع عن الأقصى بأن المؤتمرات ترسل دعماً مالياً قد تلحقه عراقيل في الوصول إلى الناس ولكن يجتهدون في مواجهة إسرائيل عبر دولهم والسلطة الرابعة وملاحقتهم في الإدانة والاستنكار.
ودخولاً إلى عمق هذه الخطوات تقرأ مقالاً كاملاً ومواقف عربية على المستوى الرفيع من قادة للفصائل الحزبية في قطاع غزة، تستخرج جملاً إعرابية يكثرها الحال والنصب في الحركات أقصد!، أما عربياً، إعلام ساخط على القضية الفلسطينة برمتها لا يفرق بين ظالم ومظلوم، سوريا الأكثر بلاءةً، ليبيا والدولة الداعشية، وباقي الدول مع جامعتهم العربية في إجازة قومية براتب شهري.
حيث تكثر «البوستات» حول لن ولم ولا.. وكلها موجه «لإسرائيل»، وماذا نتوقع نحن من احتلال، وهل أسلوب النداء لقي نفعاً، والشباب الفلسطيني في لسان «لم نعد نثق بما يقوله القادة، فليصدقوا أولاً بتنفيذ المصالحة، الحياة الكريمة حتماً ستفرض علينا جميعاً التحرك للقدس، ولكن في ظل أوضاع مأساوية في قطاع غزة، ماذا يمكننا أن نفعل للقدس، نحن نريد من يقف معنا».
محمد شاب ناشط على وسائل الإعلام الاجتماعي يكتب، «المعابر مسكرة.. مقدرتش أجيكِ يا أقصى سامحيني».
ومن صفحة هدى «معبر رفح مغلق وإيرز وكرم أبو سالم.. لإشعار آخر، غزةَ محاصرة بشكل كامل، ارفعوه عنا لنرفعه عن القدس».
ويرى سعيد أن الجميع مقصر ولا أحد لديه الحق في إلقاء اللوم على الآخر، ومناداة العرب غباء مقصود وأنا أرفض هذه المناشدة السلبية ومنال موسى تمثل نفسها وهيثم خلايلة يمثل نفسه وهم أحرار بما اختاروه بأنفسهم لأن وصولهم جهد شخصي وهذا ما يعتبرانه كفلسطينيين شرفاً وفخراً للقضية، ولكن الكثير من شبابنا في غزة لدرجة كبته لا يتقبل الآخر ولا يرى المشهد بشكل أشمل وأكبر».
المفاوض يلوم المقاوم والعكس صحيح، أما صاحب المعركة والقضية هو من في الميدان، لديك هوية زرقاء وجواز سفر إسرائيلي يمنحك هذا من زيارة القدس، لدينا ظروف خاصة لن يفهمها سوى من يعيش على هذه الأرض المحتلة، قد نعترف «بإسرائيل» بطرق كثيرة، وفي ظاهرنا نحاول الهروب كي نبقى في الصف الوطني.
كعمال فلسطيني يرمي الحجارة يومي الجمعة والسبت، ويذهب إلى «إسرائيل» عاملاً فيها، ينظرون أولاده في غزة ليعود لهم بالحاجات.
قاتل بالكلمة والأغنية، بالريشة والقلم، فأكثر ما يقهر «إسرائيل» الصوت المسموع، وأصوات الفنانين مسموعة ولها تأثير وتعريف خاص على قدسنا، لم يدرك الساسة أنهم لم ينجحوا في جعل الناس تردد كما تحفظ لفيروز تغني «عيوننا إليك ترحل كل يوم.. يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي»..
- إسراء المدلل