جاسر عبدالعزيز الجاسر
قِلَّةٌ من الصحفيين الذين تبوأوا مناصب سياسية في دولهم، كوزراء ورؤساء دول، رغم أن الكثير من الصحفيين أكثر علماً وفهماً ممن تقلدوا مناصب وزارية، ورغم قلة الصحفيين الذين حملوا حقائب وزارية إلا أنهم أثبتوا جدارتهم وذاعت شهرتهم إلى خارج حدود بلدانهم، بل إن الرئيس التشيكي هافيل الذي عمل كاتباً مسرحياً وناقداً فنياً -وهو ما يجعلنا نصنفه صحفياً- اعتبره التشيكيون أفضل من رأّس جمهوريتهم بعد تقسيم جيكوسلوفكيا إلى بلدين. وفي منطقتنا العربية شغل الصحفي المصري الأشهر محمد حسنين هيكل وزيراً للإعلام والإرشاد القومي، ورغم اختلاف الكثيرين على دور محمد حسنين هيكل إلا أنه نجح في إدارته لوزارته، حتى أنه ومن خلال دوره كوزير للإعلام كان مشاركاً في صنع وتنفيذ كثير من القرارات السيادية التي اتخذها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهذا الدور هو الذي شجّع وأطمع محمد حسنين هيكل بمطالبة الرئيس المصري الذي أخلف جمال عبد الناصر أن يشاركه في الحكم، بل كشف عن نياته بأنه هو الوريث الوحيد لعبد الناصر وأن السادات سلبه من حقه في حكم مصر، وهو ما دفعه إلى إصدار كتاب «خريف الغضب» الذي ضمَّنه شتائم ونقداً كبيرين للسادات، بعضها حمل صفات عنصرية كالنَّيل من السادات عبر أصوله السوداء من خلال والدته. وعلى عكس محمد حسنين هيكل كان الصحفي الروسي بريماكوف الذي رحل قبل أيام، فهذا الصحفي الذي أحب الدول العربية وتخصص في الشؤون الشرقية وبالذات القضايا العربية، وكان مدافعاً كبيراً عن العرب وقضاياهم، بريمكوف رأس الحكومة الروسية في عهد الرئيس يلتسين وقبلها رئاسة وكالة المخابرات الروسية التي نجت من تخريب مافيا الروسية التي ضمت يهوداً صهاينة ورأسماليين مارقين ومخربين للدولة الروسية، فحماها بريمكوف وحافظ عليها عندما كان رئيساً ومديراً لها، ثم شغل منصب رئيس الغرفة التجارية الروسية.
بريمكوف بدأ صحفياً بعد تخرجه من قسم الدراسات الشرقية من الجامعة الروسية متخصصاً في اللغة العربية، وعمل مراسلاً إقليمياً لصحيفة (برافدا) الروسية في بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت.
هذا الرجل الكبير والمتخصص في القضايا العربية والذي يعد مرجعاً ليس للروس فقط بل حتى للعرب إلتقيته في بدء عملي الصحفي في بغداد وبالتحديد في نادي الصحفيين في حي الأعظمية وبعدها تكررت لقاءاتي به، وكم استفدت من ذلك (الحبر الصحفي) الذي حاول كثيراً نصيحة صدام حسين للحد من غروره وطيشه في مواجهة العالم وإنهاء مغامرته المتمثلة في غزو دولة الكويت، وللأسف تلك هي المهمة التي فشل فيها، في حين نجح كثيراً في بلده ليصبح رمزاً لكل الصحفيين روساً وعرباً.