عروبة المنيف
أطلت علينا إحدى القنوات الفضائية الشهيرة بخبر مفاده أن طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات ونصف قد أقدم على ذبح شقيقته ذات العام ونصف حيث طعنها بالسكين في الصدر والرقبة وقد نجت الطفلة بأعجوبة. وقعت الحادثه بعد ساعات من مشاهدة الطفل لعملية ذبح «لخروف في مسلخ» كان الأب قد اصطحب طفله معه «لتجهيز ذبيحتهما».
يستمر الخبر ليتحفنا بأن الطفلة «المذبوحة» على أيدي شقيقها «تقليداً لما رآه في المسلخ» لم تستقبلها إحدى المستشفيات الخاصة القريبة من المنزل بحجة أن «العمليات الجراحية لا يشملها التأمين» حيث تم نقلها إلى مستشفى حكومي الذي قام بإسعاف الحالة وإنقاذ حياة الطفلة.
يؤخذ على الخبر عدم حضور الاحترافية الإعلامية في نقل الحدث وتسخيره من أجل الاستفادة منه في التوعية المجتمعية حيث تفشل في الغالب بعض القنوات في نقل الخبر بمهنية عالية. فمثلاً خبر «الذبح» الذي أقدم عليه الطفل تقليدا لما رآه في المسلخ، كان بإمكان تلك القناة التلفزيونية أن تقوم بتجهيز حلقة كاملة عن ذلك الحدث وتبعات التعرض لمشاهد العنف عند الأطفال سواء كان هذا التعرض حياً على الهواء «كما حصل مع الطفل في «المسلخ» أو من خلال الشاشة الصغيرة، فتعمل على استضافة المختصين التربويين والاجتماعيين والنفسيين للتحليل والتعليق على الخبر من منظور علمي تربوي نفسي مجتمعي وتؤكد أن سلوك الأب خاطئ وغير سوي عندما قام بتعريض فلذة كبده بهذا العمر! لذلك المشهد! ولم يكتمل وعيه بعد ليفرق بين «ذبح الحيوان» و«ذبح الإنسان».
ما زاد في الإمعان أيضاً استضافة القناة للأب فقط الذي اعترف بخطئه الأول! وهو تعريض ابنه لمشاهد العنف في هذه السن واعترافه بخطئه الثاني !بأنه قام بضرب الطفل بعد الحادثة بمعنى مقابلة العنف بعنف مماثل!!، ماذا سيستفيد المشاهد من لقاء الأب وأسفه بعد ارتكابه تلك الأخطاء؟ أين توظيف الحدث ليكون أداة إعلامية هادفة لتوعية الوالدين بشكل خاص والمجتمع بشكل عام؟!.
الخبر الثاني الذي تم ذكره ومر مرور الكرام وهو عدم استقبال حالة الطفلة الحرجة النازفة من قبل المستشفى الخاص القريب بحجة «عدم تغطية التأمين للجراحة» حيث نقلت الطفلة لمستشفى حكومي وتم إسعاف الحالة!!، هذه قضية أخرى ومادة إعلامية يجب أن تثار للرأي العام لمناقشتها وإيجاد حلول لها لأنها تتعلق بالحياة أو الموت، كان بإمكان القناة أن تستضيف مدير المستشفى وتأخذ تبريراته بعدم إسعاف الحالة، وهل الأسباب مادية فعلاً؟ وإن كانت كذلك لماذا لا توجد لها حلول مع شركات التأمين ويؤخذ قرار بشأنها وخصوصاً في حالات إسعافية تتعلق بالحياة والموت؟.
إن المادة الإعلامية المتلفزة لها وقعها الكبير على المشاهد ولها سرعة انتشار هائله خصوصاً مع قوة حضور وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الوقت، والاحترافية الإعلامية العالية في نقل الخبر تكون في الغالب أهم من الخبر نفسه حيث يسخر الخبر من أجل إيصال رسالة هادفة توعوية للمجتمع من واقع إنساني معاش بطريقة جذابة ولائقة.
إن الإعلام ليس مسلخاً يتم فيه ذبح الخبر وسلخه وتقطيعه ثم تقديمه للمشاهد، إنه فن واحتراف ومهنية «بكل ما تعنيه تلك الكلمات من معنى.