رقية الهويريني
تُعد سوريا الجريحة سلة غذاء العالم العربي قبل الحرب الدائرة فيها، ليس ذلك فحسب؛ بل إنها تُعد أكبر الدول العربية التي يتفنن شعبها بإعداد الطبخات المنوعة الشهية. والمطبخ السوري عريق ومتنوع نظراً للطبيعة الزراعية هناك، وتباين السكان في المناطق الحضرية والبدوية والريفية، فكل مدينة لها ما يميزها من الأكلات سواء الدمشقية أو الحلبية أو الحمصية، مما جعل المطبخ السوري غنياً بأطباقه الشهية وحلوياته الشهيرة في كل العالم.
ولعل بلاد الشام هي من ابتكرت المقبلات السورية كالفتـّوش والتبولة وبابا غنوج والمسبحة والكبة، والمعجنات بأنواعها كالمناقيش وشيشبرك والصفيحة الشامية والخبز التنوري الحمصي الشهير. والوجبات الرئيسية وأهمها المحاشي مثل ورق العنب والملفوف والكوسة، وغيرها من الوجبات اللذيذة كالكباب وداود باشا وشيش طاووق واللبنية والمخلوطة والمقلوبة والمسقعة والفريكة وحراق أصبعه. وأيضاً الحلويات المتنوعة كالكنافة والبقلاوة والقطايف وغيرها كثير.
ومما حز في نفسي مشاهدتي صورة لسفرة فطور عائلة سورية في رمضان لهذا العام تحوي الخيار فقط!! حيث تجتمع العائلة السورية بعد صيام خمس عشرة ساعة ليتناولوا الخيار ويشربوا الماء ويحمدوا ربهم!!
جاشت مشاعري أمام الصورة وتوقفت عندها ملياً، لأعيد شريط ذاكرتي نحو شعب، كانت مائدته تتشكّل بما لذّ وطاب من الأطعمة الشهية والمقبلات والحلويات!! ولكن الحرب جعلت من هذه الأسرة لاجئة في إحدى الدول المجاورة؛ في الوقت الذي تغص فيه موائدنا بكمٍّ هائلٍ من الأطعمة التي لم نزرعها أو ننتجها وأحياناً لم نطبخها!
إنّ الجرح يتسع والآمال تتضاءل أمام محنة شعب تسلّطت عليه القوى الظالمة والأطماع السياسية الجائرة لتقتلعه من بيته وترمي به خارج وطنه، ليتحول إلى لاجئ يفطر على خيار في وضع مأساوي يستحضر الشفقة!
وكيلا نكون من المشفقين - فحسب - في لحظة إنسانية عاطفية؛ أدعوكم ونفسي للتبرع لهم عبر القنوات الرسمية المعترف بها ومنها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لإنقاذ آلاف الأسر المنكوبة اللاجئة في الأردن ولبنان وتركيا. وادعوا أبناءكم للعطاء وعوّدوهم البذل والرحمة لشعب ينهشه الجوع والفقر بالإضافة للخوف والتشرد والضياع.
إننا بحمد الله نعيش في بلد تسكنه الدعة والأمن والاستقرار، وهذا لا ينسينا واجبنا تجاه إخوتنا المكلومين، الذين تغيّرت أحوال معيشتهم وانقلب بهم الحال واختزلت موائد طعام إفطارهم العامرة بالخيرات بنوع واحد من الخضار وهو الخيار، وليس ثمة خيار!!