سعد الدوسري
لا أريد هنا أن يفهم أحد أنني أحاول أن أدخل في قضايا شرعية، فأنا أصلاً لست مؤهلاً لها، لكنني سأتحدث عن ظاهرة عامة نراها في بيوتنا وفي مساجدنا، بل وفي مقار عملنا أثناء شهر رمضان الفضيل، ألا وهي قراءة القرآن الكريم، جعلها الله ظاهرة دائمة، لا تنقطع. فبالتمعن فيها، تجد أن معظم الناس، رجالاً أو نساءً، يتسابقون في عدد الختمات التي يختمونها قبل نهاية الشهر، وكأن عدد المرات هو المقياس، وليس التدبر والتفكر في شأن هذا الكتاب العظيم. ولا أدري لماذا يسيطر على الجميع فكرة أن الكم هو المهم وليس الكيف، ولماذا لا يقدّم العلماء الشرعيون رؤيةً بخصوص هذا الموضوع، وكأن هناك اتفاقاً على بقاء الحال على ما هو عليه، بالعدد وليس بالنوع.
إنك حين تجد موظفاً ينصرف عن أداء عمله، متحججاً بقراءة القرآن، وتجده يقرأ بطريقة توحي بأنه لا يفهم ما يقرأه، فإنك ستشعر بأن الموضوع ليس موضوع قرآن أبداً. وحين تدخل إلى مسجد، فتجد معظم من فيه يقرأون بصوت عالٍ وبتجويد مشوّه وبسرعة لا مثيل لها، فإنك حتماً ستقول إنك لست أمام أناس يقرأون القرآن الكريم.
إن المطلوب من أصحاب الشأن الدعوي أن يتحرّكوا لتصحيح هذه الظاهرة السلبية، ولتوجيه الناس للقراءة الصحيحة للقرآن؛ القراءة الخاشعة، المجوّدة، البطيئة، الخافتة، المتدبرة للمعنى، ولكل مفردة من مفردات هذا النص الإعجازي، على كل المستويات اللغوية والأسلوبية والفكرية والتشريعية، والتي تحتاج إلى تأمّل وإبحار وبحث وتقص، وليس إلى قراءة متعجلة، لا هدف منها سوى المباهاة بعدد الختمات، في حين أن آية واحدة لم يتم فهمها أو التأثر بفحواها!!