قاسم حول
منذ متى تم الاعتداء على مقر اتحاد الأدباء العراقيين؟ هل في يوم الأربعاء بتاريخ السابع عشر من شهر حزيران 2015 أم قبل هذا التاريخ؟ هل منذ سقوط النظام الدكتاتوري في العراق؟ أم قبل هذا التاريخ؟ هل طوال أربعين سنة من حكم الدكتاتور؟ أم قبل هذا التاريخ؟ هل منذ الحقب الجمهورية والانقلابات؟ أم قبل هذا التاريخ؟
التدهور الحاصل في الثقافة العراقية هو تاريخ الاعتداء على اتحاد الأدباء العراقيين! المساومة الحاصلة مع السلطات والتنازلات هو تاريخ الاعتداء على اتحاد الأدباء العراقيين!
غياب الموقف الثابت والمعاند الواعي.. هو تاريخ الاعتداء على مقر اتحاد الأدباء العراقيين.
عندما أعلنت الدكتاتورية الحرب على الثقافة بعد انقلاب السابع عشر من تموز من عام 1968 شعرنا نحن مجموعة صغيرة من المثقفين بأن الخطر قادم ويدق الأبواب، وحين لم يستمع إلينا أحد، شددنا الرحال باتجاه بيروت وصرنا لاجئين عند اللاجئين الفلسطينين!
منذ ذلك التاريخ بدأ التدهور الثقافي على كافة الصعد الأدبية والفنية. زج المثقفون في السجون والجميع صامتون. تمت تصفية المثقفين والجميع صامتون.. رياض البكري، شمس الدين فارس، الدكتور راجي، قيس محمد، ماهر كاظم، صفاء الحافظ، شهداء غيبوا ولم يعرف مصيرهم.. والجميع صامتون! يختفي المثقف من مقر الاتحاد، والجميع صامتون! القائمة تطول والمثقفون صامتون.!
كانت الأسماء تختفي فيما يسمى «بيوت الأشباح» ولا أحد يسمع عنهم شيئًا هذا ناهيك عن المثقفين الذين سجلوا شهداء على جبهات القتال.
بعد أن انتهت حقبة الدكتاتور غير مأسوف عليها بدأت النقابات الثقافية تتعرض والأفراد يتعرضون للتصفيات الجسدية حتى بلغ عدد الذي تمت تصفيتهم بعد سقوط النظام الدكتاتوري 286 أديبًا ومثقفًا. والجميع صامتون.
ولذا جاء الاعتداء صارخًا يوم الأربعاء في السابع عشر من شهر حزيران من عام 2015 ليس من قبل عصابة قطاع طرق، بل من قبل قوة نظامية بملابس عسكرية وسيارات عسكرية طوقت مقر الأدباء بعد أن قطعت الشوارع المؤدية إليه!
خمسون شخصًا مدججون بالأسلحة الأتوماتيك، طوقت ساحة الأندلس في بغداد، والحمد لله في شهر رمضان الكريم، وفي موعد الإفطار تقريبًا ولم يكن في مقر الاتحاد سوى الشاعر الفريد سمعان وبعض عمال شركات التنظيف البنغالية. دخلوا مقر اتحاد الأدباء وكسروا أثاث المقر ومزقوا كتب الاتحاد ومخطوطاته مثل التتر حين دهموا مكتبات بغداد ثم خرجوا منتصرين!
كان المفروض أن يظهر على شاشة التلفاز رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويعتذرون من المثقفين، فيما مر الحادث مرور الكرام!
صحيح الحادث له دلالاته الكبيرة.. وسوف يخلو الاتحاد من رواده! وهذا هو الهدف المبيت!
ولكن.. مع كل ما جرى فإن الأدباء يتحملون المسؤولية، بتحملون جانبًا كبيرًا من المسؤولية، فهم ساوموا الدكتاتوريات وساوموا التخلف وقبلوا العمل في مؤسسات الدولة!
واضح جدًا أن الثقافة غير مرغوب فيها!
واضح جدًا أن صالات السينما قد تم تهديمها أو تحولت إلى مخازن للصناعات البلاستيكية.
واضح جدًا أن المسارح تعبث بها الفئران!
مطلوب موقف ثقافي. والموقف الثقافي هو التعبير عن هموم الناس وليس محاورة السلطة موقف ثقافي يضع الناس أمام مسؤولياتهم. لكن هذا الموقف قد تم التنازل عنه منذ أكثر من ستين عامًا، وعامًا بعد عام يقدم اتحاد الأدباء التنازل تلو التنازل.
لنقرأ مقطعًا من بيان اتحاد الأدباء العراقيين (ومن هذا المنطلق ندعو جميع الجهات المعنية، الرسمية والشعبية إلى إدانة هذا الاعتداء قبل أن يطال الجميع، ونتوجه بالنداء إلى الرئاسات الثلاث وإلى السيد وزير الداخلية والسيد وزير الثقافة وإلى كافة المؤسسات الثقافية العراقية والعربية والدولية إلى التضامن مع اتحاد الأدباء والمطالبة بمحاسبة المتجاوزين وردع أية جهة، غير رسمية، من حمل السلاح واستخدامه ضد المؤسسات الثقافية والمدنية، لأن ذلك يضعف هيبة الدولة ومكانتها في نظر الأدباء والمثقفين والمواطنين).
لاحظ الفقرة الأخيرة - لأن ذلك يضعف هيبة الدولة ومكانتها في نظر الأدباء والمثقفين والمواطنين - أية هيبة دولة!
سيداتي سادتي
لقد سقطعت هيبة الدولة منذ سقوط هيبة المثقف!