بين الثامن عشر والحادي والعشرين من شهر مايو 2015 تم افتتاح مهرجان الرواية العربية في دولة قطر في الحي الثقافي الذي عُرف باسم «كتارا».. ويأتي مهرجان الرواية العربية مناسبة للتعرف على هذه المدينة الثقافية التي تُعتبر إنجازاً عربياً وعالمياً للثقافة العربية، نحن بأمسّ الحاجة إليه.
المهرجان، كان حافلاً بمفردات ثقافية هامة منها ندوة عن التجريب في الرواية العربية، ومنها إقامة معرض لكتاب الرواية العربية، كما شمل المعرض بعض الملصقات «المتوفرة» عن الأفلام التي أخذت عن روايات عربية.. وشاهدنا جهداً مسرحياً «عاجلاً» لمسرحية مونودراما بعنوان «ملحمة الغدر».
البرنامج كان حافلاً على مدى أربعة أيام، وكان فرصة ممتازة للقاء كتّاب وفنانين وإعلاميين لمَّت قطر شملهم ووفرت لهم فرصة الحوار والاستماع في ذات الوقت.
جائزة كتارا للرواية العربية كانت مغرية ومبروك لكل من فاز بفرصة المردود المالي، حيث ربما لأول مرة يشعر الكاتب العربي أن لجهده مردوداً يطعمه الخبز ساخناً من التنور! بعد أن كان يكتفي الكاتب بإعجاب المتلقي والناقد وأحياناً بالموقف الغادر!
فشكراً لقطر، وشكراً لمبادرتها في بناء الحي الثقافي، وشكراً لإدارة المهرجان وخلية النحل الصغيرة في عددها القليل والكبيرة في إنجازها.
فكرة الجائزة العربية ولجان تحكيمها في كل الوطن العربي تحتاج إلى غربلة وإعادة نظر في طريقة التحكيم ونظام التحكيم وآليته، حيث الحيف والغبن يبقى قائما طالماً بقي العربي يحمل بقايا قصة «حاتم الطائي» يوم ذبح جواده ليطعم ضيفه، فيما جاء الضيف يطلب منه الفرس الجميل!.. فسارع حاتم الطائي لنحر الجواد لعدم توفر الطعام بين يديه ذلك اليوم، فذبح الفَرس قبل أن يسأل الضيف عن مطلبه لذا، ومن ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، ونحن نذبح الأصائل!
من أخطاء المسابقة في تصوري أن الروايات الفائزة يُختار من بينها في فئتي المطبوع والمكتوب روايتان يتم تحويلهما إلى عمل درامي، سينمائي أو تلفزيوني.
من بين السبعمائة رواية المشاركة ربما ثمة روايات لم تحصل على فرصة الفوز لسبب أو لآخر، ولكنها أكثر صلاحية للصيغة الدرامية.. فلماذا حصرت فكرة الدراما بالروايات الفائزة؟.. حبذا إعادة النظر في آلية هذه الفكرة في الدورات القادمة في أن تكون جائزتين لأحسن رواية ذات بُعد درامي!
ومن مفردات المهرجان عروض سينمائية لأفلام أخذت عن روايات عربية. من الصعب عرض كل الأفلام التي تُعد بالمئات في أربعة أيام، ولكن كان يمكن لو سأل حاتم الطائي ضيفه قبل أن يذبح الفَرس الجميل، لعاد ضيفه على فرس يطير فيه كما الحلم. كان يمكن أن يُنتج فيلم سينمائي مدروس بسيناريو محكم عن فكرة علاقة الرواية بالسينما، ومن خلالها نرى بانوراما جميلة وذات موقف يحدد جدل العلاقة بين الرواية العربية والفيلم.. وصراحة أن كل الأفلام التي أنتجت عن الروايات العربية لم تفها حقها بعكس أفلام الغرب مثل «الشيخ والبحر» و»موبي ديك» و»إنهم يقتلون الجياد» و»الحرب والسلام» و»البحث عن الزمن المفقود» و»خريف امرأة» و»الجريمة والعقاب» و»الأخوة كرمازوف» و»البؤساء» وعدد كبير من الروايات الغربية التي تحولت إلى أفلام وتألقت على شاشة السينما. كان يمكن بحث فكرة الرواية كمادة أدبية للسينما وإنتاجها سينمائياً بفيلم سينمائي واحد بساعتين مثلاً مذ قررت كتارا دخول عالم تقييم الرواية العربية.
إن صالة السينما المخصصة لعرض الأفلام المأخوذة عن الروايات العربية. الصالة لا تصلح على الإطلاق لعرض الأفلام فهي مجرد فسحة مكانية مزودة بشاشة تلفزيونية وليست سينمائية، ولا تحوي مواصفات عرض الفيلم السينمائي وتلقي قيمه الفكرية والفنية الجمالية، لأن شكل العرض هو شأن هام في السينما والمشاهدة وشروط التلقي في الصورة وفي الصوت!.. والسينما هي مفردة هامة من مفردات الثقافة فهي جامعة الفنون الروائية والشعرية والقصصية والموسيقية وفن العمارة والبناء، ولذا ينبغي أن يكون لها «مكان» و»مكانة» في الحي الثقافي
«كتارا».
ليست أخطاء بقدر ما هي ملاحظات مكتوبة من القلب إلى القلب، لأن تجربتنا في الغرب علّمتنا أن الناس هنا يحسبون حساباتهم بدقة متناهية، فتأتي الحصيلة خالية من الأخطاء أو تكاد.. لذا نتمنى أن تأتي الدورة القادمة متلافية ما اعتقدته أنا خللاً، وكما قال المصريون «خسارة الحلو ما يكملش!»
أتمنى أن تعتمد كتارا مبدأ الشفافية والموضوعية في منح الجوائز من خلال آلية التحكيم، فلا تزال هذه الآلية ليس في كتارا وحدها، بل في كل جوائز العرب الأدبية والفنية غير عملية وغير واقعية، إذ ليس من المعقول أن تكون اللجان بكل أفرادها قد قرؤوا أكثر من سبعمائة رواية وبحرص الإبداع وقيم الإبداع ونبل الإبداع.. مستحيل! لأن الآلية في تصوري لم تكن سائرة في طريق شفاف.
هذه الملاحظات «وصديقك من صدقك» لا تقلل من أهمية كتارا كحي ثقافي ولا تقلل من أهمية مسابقة كتارا للرواية العربية ولا تقلل من دقة التنظيم التي يقودها القياديان المبدعان الدكتور خالد إبراهيم السليطي وخالد السيد، وكلاهما بكل قوة الإنجاز وعظمته يرددان أمام كل من يلتقيانه وبكل تواضع: «نحن نتعلم منكم».
وحقيقة الأمر «الخالدان، نحن نتعلم منكما!» فلقد قدمتما ما يشبه المستحيل، وفي هذا الزمن الصعب.
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com