د. فهد صالح عبدالله السلطان
سئل السيد كوب كوبر الأمريكي الأصل والذي يعتبر أسطورة في مجال تحقيق النجاح والإنجازات، عن أهم مبدأ للنجاح من بين المبادئ الألف التي أصلها في كتبه الأربعه عن مبادئ النجاح، فأجاب أن أهم مبدأ من مبادئ النجاح قد أوضحه ألبرت هوبارد وهو أكثر الكتاب غزارة في الإنتاج في تاريخ أمريكا أبان مطلع القرن العشرين، حيث قال إنه الانضباط (Discipline): وعرفه بأنه“ القدرة على فعل ما يجب عليك فعله، حينما يجب عليك فعله، سواء كنت راغبا فيه أو راغبا عنه”.
وفي دراسة أجريت على 11500 مليونير ومبدع عالمي، أجاب 85% منهم أنهم لم يكونوا أفضل تعليما من أقرانهم، أو أكثر ذكاءً منهم، ولكنهم كانوا أكثر انضباطا وعزما على العمل من الآخرين.
وقد حاولت إسقاط ذلك على رجال الأعمال البارزين في المملكة، وتلاحظ لي أنهم ليسوا بأكثر تعليما من غيرهم، أو أكثر ذكاء، ولكنهم كانوا بالفعل أكثر انضباطا وعصامية.
غالبا ما تأخذ مشاكلنا وقتا طويلا قبل أن نجد لها الحل المناسب، لأننا ببساطة لا نبذل جهدا كافيا في تعريف المشكلة وتحديد أسبابها. نعتقد أن أبناءنا لن يحققوا نجاحا يذكر إلا بحصولهم على شهادات دراسية عليا، أو تخصصات محددة، وأن ذلك هو المطلب الوحيد للنجاح والتقدم، والواقع أن هذا اعتقاد خاطئ، لأن الشهادة أو التخصص ليس إلا عاملا واحدا من عدة عوامل، أهمها الانضباط (Discipline ) بمفهومه العام.
يقول السيد بريان تريسي أحد أكثر البارزين في غزارة الإنتاج على مستوى المجتمع الأمريكي في هذ القرن “لن تستطيع النجاح حتى تتمكن من التغلب على النزعة الطبيعية الخاصة بالسعي خلف اليسير واتخاذ الطريقة السهلة. ويضيف: يعد النجاح أمرا ممكنا فقط عندما تتمكن من ضبط نفسك على العمل الجاد فترة طويلة”. ومنذ آلاف السنين وجد أفلاطون أن “أول وأعظم انتصار للإنسان هو قدرته على إخضاع نفسه”.
وحتى يكون الطرح أقرب إلى ذهن القارئ الكريم، دعونا نستعرض بعضا من مشاكنا الاجتماعية والعملية والتي تشمل: تردي مستوى الإنتاجية، تذمر قطاع الأعمال من سلوك بعض العاملين السعوديين وعدم التزامهم وانضباطهم، حركة المرور وتذمر الجميع من سلوكنا في قيادة المركبات، تذمرنا من عدم التزام الكثير منا بالمواعيد العملية والاجتماعية. تذمرنا من عدم التقيد والالتزام بطوابير الأولوية، عدم انضباطنا في مأكلنا وفي طريقتنا الاستهلاكية. في الواقع، عجزت الأنظمة أن تضبط سلوك الكثير منا وتمردهم على كثير من القوانين. (آمل أن لا يؤخذ التعميم على إطلاقه).
كل هذا مع العلم بأن ديننا بما فيه من عبادات وسلوكيات بني أصلا على الانضباط في كل الأمور، سواء ما يتعلق بالأزمنة والتوقيت للفرائض والعبادات من صلاة وصيام وحج …الخ أو بالشكل والهيئة في الملبس وفي النظافة وفي الصف للصلاة وفي طريقة الأكل …الخ حتى في لبس الحذاء وفي وغيرها من الأمور العملية والاجتماعية والتعبدية. بل إن الشريعة بما فيها من سماحة جاءت بما يفيد بأن عدم الانضباط في العبادة قد يفضي إلى عدم قبولها أصلا.
الذي أردت أن أصل إليه، أنه يبدو أن الانضباط فيصل في جودة أدائنا لأعمالنا وزيادة إنتاجيتنا ونمو اقتصادنا وتحقيق أهدافنا.
كل ما أتمناه، أن يتم التركيز في مراحل التعليم المختلفة على الانضباط بمفهومه العام، وأن يتم إدراج مواد تربوية لتأصيل الانضباط العملي والاجتماعي ابتداء من المرحلة التمهيدية. وأن يشارك الخطاب الديني والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني لتأصيل هذا المفهوم. والله الهادي إلى سواء السبيل.