د. حمد بن عبد الله القميزي ">
في ظل التحديات والمخاطر التي تواجهنا داخلياً وخارجياً، تتأكد ضرورة تمتين الوحدة الوطنية، وإزالة الشوائب والرواسب التي تضر بمفهومها وحقيقتها، فالوحدة الوطنية هي عبارة عن مشاعر صادقة وممارسات ومبادرات ترص الصفوف وتوحد الكلمة وتوثق مستوى اللحمة الوطنية.
ويمثل الحوار بين مكونات الوطن مرتكزاً أساساً في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية، إذ به نكرس قيم التواصل والتفاهم ونتجاوز الانقسامات والجفاء والتباعد، خصوصاً عندما يتصف بالشفافية والوضوح والنزاهة فإنه يسهم في زيادة تحقيق الوحدة الوطنية، ويجعلها تقوم على قاعدة صلبة من الوعي والمعرفة والإيمان.
ويقتضي الحوار الصادق منا التخلص من الرواسب النفسية والثقافية والأفكار المغلوطة التي لا تقبل الآخر، التي تستند على الشائعات والاتهامات بدون أي سند وبدون أي مبرر. كما يقتضي الحوار العدالة والموضوعية في عملية الحوار، حتى يخرج من الجدل الذي لا يوصل إلى الحقيقة.
وعندما تكون الأجواء مشحونة بالشك والريبة، فإنه لا يمكن تجاوزها إلا بالحوار والتخاطب عن قرب والإنصات الواعي إلى الآخرين وإسماعهم الحقائق والبراهين.
وتدرك قيادتنا الحكيمة في مملكتنا الغالية أهمية الحوار في تحقيق اللحمة والوحدة الوطنية، فقد استطاع الرجل الثاني في الدولة ولي العهد الأمير محمد بن نايف من خلال تبنيه للحوار منذ أن كان مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية ثم وزيراً لها أن يردم الهوة بين المواطن والأجهزة الأمنية، وأن يقيم جسوراً بين المؤسسة الأمنية وبين المواطنين، ليس فقط من أجل تعزيز عوامل الطمأنينة والثقة بين الطرفين، وإنما من أجل أن يصبح المواطن والمقيم هو عين الوطن والساعد الأول لرجل الأمن في محاصرة الجريمة بأشكالها المختلفة وتشعباتها المعقدة، مما عزز روح الانضباط واحترام الجميع للأمن وتعزيز ثقتهم في كل من ينتمون إليه، ويؤكد ذلك مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية.
وبعد حادثة التفجير في القديح وزيارة ولي العهد للقطيف وزيارته للمرضى في المستشفى ولقائه بالمواطنين وحواره مع المواطنين في القطيف صغاراً وكباراً، ندرك أن لدى سموه استعداداً نفسياً دائماً للقبول بروح وجوهر الحوار، الذي يتطلب التواضع والإنصات والاعتراف بحقوق المواطنين وجوداً وفكراً وروحاً ومشاعر.
لقد راعى ولي العهد خلال حواره مع المواطنين الالتزام بمقتضيات العدالة والموضوعية، ونبذ الأساليب التي تشحن النفوس وتمنع العقول من فهم المقولات والقناعات على نحو سليم، واستند على منهج الدليل والبرهان والنظام، ونبذ الاتهامات والتشنيع بكل مستوياته، فهو يدرك أن المنهجية السليمة للحوار تقتضي ألا نطلق الأحكام على بعضنا البعض جزافاً، وأننا بحاجة بشكل دائم إلى المعرفة والتعارف والفهم والتفاهم القائم على الوعي والعلم. لأن الحوار المرتكز على القواعد العلمية الدقيقة هو الذي يطور مستوى المعرفة المتبادلة ويخرجنا من دهاليز الريبة والشك وسوء الظن.
إن شعور ولي العهد -حفظه الله- بالتحديات الداخلية والخارجية دفعه بعد تفجير القديح إلى تعميق خيار الحوار والتواصل مع جميع فئات وأطياف الموطنين، باعتباره الطريق الحضاري لتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية، وتجاوز كل المخاطر التي تواجهنا في مختلف المجالات.
من هنا فالحوار الوطني خيار استراتيجي لا مناص عنه.
أخيراً: للقارئ الكريم إدراك شخصية ولي العهد الحوارية من خلال مراجعة مقاطع الفيديو والصور التي نقلت متقطفات من حوارات ولي العهد مع المواطنين في مختلف المناسبات، خاصة أثناء زيارته للقطيف بعد حادثة القديح، ليدرك أنه رمز من رموز الوطن في التلاحم والإخاء، فهو يتنقل بين أبناء الوطن لمواجهة الأخطار التي تواجه البلاد، فيحاور الجنود في الجنوب ليشد العزم، ويحاور المصابين في الشرق ليخفف المصاب ويرفع العناء، ويحاور أهالي المصابين ليعزيهم ويواسيهم، ويحاور المشككين ليؤكد أن يد الدولة أقوى وأصلب من يد المعتدي المنتهك للحرمات. إذن نقولها واثقين: إن شخصية ولي العهد شخصية حوارية.
- جامعة المجمعة