د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كان الخبيرُ البريطانيُّ مملوءًا بالثقةِ وهو يحكي عن دوره الإعلاميِّ في إبرازِ القادةِ من كبارِ الكبار؛ معتزًا أنهم -بين عينيه- تلامذةٌ مطيعون؛ يستمعون وينفذون، ويُؤمرون فيأتمرون، ويرون الظهورَ وسيلةً لهدفٍ لا مدرجًا نحو ترف؛ فالكلماتُ تُرسمُ لهم، والملابسُ تتهيأُ أمامهم؛ فللرسميِّ Formal وقتُه وللاعتياديِّ Casual أوقاتُه، كما للطُّرفةِ والمعلومةِ والمقروءِ والمرتجلِ والخروجِ على النصِّ والتمحورِ داخله توقيتُها وتقنينُها.
** حكى صاحبُكم قبلًا عن تدربه مع الأشهرِ في حقله حينها (جون براند) فلا مزيدَ، سوى أن الصناعةُ الإعلاميةُ لا تأذنُ بالفوقيةِ كما لا موقعَ فيها للاجتهاد؛ فكلمةٌ في غيرِ موضعها قد تخلقُ أزمةً أو تخنُقُ تطلعًا، ومتى وعت دوائرُ القرارِ قيمةَ الظهورِ وتقويمَه نأت عن إشكالاتٍ ومفاجآتٍ يصنعُها الارتجالُ وتُودي بها الثقة.
** كان الخبيرُ يتحدثُ عن تجربته مع «رَيغان وثاتشر» ومن بحجمِيهما الضخمين، وقال: مثلما تعاملون صغارَكم نتعاملُ معهما خلف الستارِ دون أن تُهدرَ مكانتُهما، وحكى عن أساليبَ لا داعي للتفصيلِ فيها، كما لا معنى لترجمةِ بعضها؛ فلكلِّ لغةٍ رائحتُها الخاصة، لكن الأهمَّ - بعدما تبدلت معادلاتُ الإعلام وتغيرت نظراتُه ونظرياتُه وتعددت وسائطُه ومخرجاتُه - أن ندورَ في فلكها ونقتربَ من إيقاعاتِها ونتجاوزَ التنميطَ الإعلاميَّ الرسميَّ الذي يتحولُ لدى عددٍ من ممارسيه إلى مقطوعاتٍ من المحفوظاتِ المدرسية.
** هنا يجيءُ مدلول الرمزِ بين الصورة والصوت حين يأتي عفويًا أو مقصودًا فيغني عن معلقاتِ الوعظِ الإعلاميِّ المكرور الذي اعتدنا أن نَكِلَه لمذيعٍ ومعدٍ ونطالبُهما بالتصدي لحدثٍ أو رسمِ موقف، ولا يجدون غيرَ الاستضافاتِ «الرسميةِ والشعبية»، وربما أساءت، وكثيرًا ما أملَّتْ، ولو توافرت الخبرةُ والمعرفةُ معًا لابتدأَ كل محاوِرٍ ومحاوَرٍ بالتخطيطِ؛ كيف، ومن، ولماذا، ومتى، وماذا يحكيان أو يَعرضان.
** زار أهلُنا السنة أهلَنا الشيعة فكانت الصورةُ «التضامنيةُ» معبرةً دون حاجةٍ إلى تحليلٍ أو تعليل، وتنادى المكلومون في تظاهرةِ العزاء:
«هذي صرخةْ ودوَّت بيوم الفجيعة .. إحنا كلنا إخوان سنة ويَّا شيعةْ
إحنا ربنا واحد ونفس الشريعة .. والوطن هيهات والله ما نبيعهْ»
فأغنت واستغنت، وليت الجميعَ يُنشدونها والكبار يستعيدونها ونؤمن أن الوطنَ للجميع «وإذا ضاع الوطن ما في وطن غيره» - وفق الرحبانيِّ منصور؛ فقد فنيَ ملوكُ الطوائفِ وطوت خلافتَهم خلافاتُهم.
** حدَّثه صديقُه عن برامجَ ينوون إقامتها لوأدِ الفتنةِ المذهبيةِ بما فيها من محاضراتٍ ومسابقاتٍ وندوات؛ فتمنى صاحبُكم له التوفيق، وقال له بلسانِ الواثقِ الوامق: إذا استطعنا دعوة معممٍ شيعيٍّ ليحاضرَ «هنا» وشيخٍ سنيَ ليحاضر «هناك» بشهودٍ جماهيريٍّ آمنٍ فسنكبرُ على الصراعاتِ أربعًا ونتلو معها: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة..»، وهذا ما يُسعف به إعلام (براند) لا إعلام: ما هو شعورك وما كلمتك؟.
** المسيرُ يحددُ المصير.