جاسر عبدالعزيز الجاسر
يتفنن تنظيم داعش الإرهابي في ابتكار أشد الأساليب إجراماً لإيذاء كل من يعيش على أرض البسيطة، ويوقعه حظه العاثر في مواجهة هذا التنظيم الإجرامي.
الداعشيون لا ينجو أحد من إيذائهم، فبعد جرائمهم البشعة بحق الإنسان في سوريا والعراق، وانتهاجهم أشد أنواع الترهيب والإرهاب من ذبح وحرق وقتل وترويع امتد من البشر إلى كل أصناف الحياة، بل وحتى الانتقام من التراث والتاريخ، فلم يسلم من إجرامهم وعبثهم الآثار ولا المكتبات التراثية بعد أن طاردوا الأقليات والاثنيات في سوريا والعراق متجاوزين حالة التسامح التي نشرها المسلمون في كل المناطق التي وصلوا إليها وتركوا انطباعاً حسناً عن الإسلام فبددته جرائم وأعمال الداعشيون ضد المسيحيين في سوريا والإيزيديين في العراق.
هؤلاء الذين جبلوا على الإيذاء والتخريب وصل إيذاؤهم للموارد الطبيعية، فبعد تخريبهم للسدود وتدخلاتهم في تصريف المياه في سوريا والعراق لجئوا هذه الأيام إلى غلق بوابات السدود ونواظم تدفق المياه التي تضبط مسار نهر الفرات في منطقة الجزيرة العراقية التي يجري فيها نهر الفرات، وبالذات في محافظة الأنبار التي تحتوي على العديد من السدود التي تنظم مسار مياه الفرات الذي تغذي مياهه المحافظات الجنوبية في العراق، وقد أدى إقفال بوابات السدود على نهر الفرات إلى نقص في المياه ما يهدد بجفاف النهر، وأخطر من ذلك جفاف أهوار العراق التي تمتد على أجزاء كبيرة من محافظات ذي قار «الناصرية» والعمارة «ميسان» والبصرة.
أهوار العراق للذين لا يعرفون أهميتها تشكل مصدرا مهماً للثروة السمكية، ويقطنها العديد من العراقيين الذين يعتمدون على مياه الأهوار التي تمدهم بموارد عديدة؛ فبالإضافة إلى الأسماك المتنوعة التي تعتبر من أكثر الأسماك غناءاً بالبروتين فسمك «الشبوط» و«البني» و«القطان» تنتج بكميات كبيرة وتسوق بآلاف الأطنان في مدن الجنوب وحتى بغداد، إضافة إلى الأسماك تحتضن أهوار جنوب العراق حيوان الجاموس وهو أضخم من البقر، جلده أسود يعيش معظم أيام السنة في مياه الأهوار الضحلة، ويعيش على بردي وقصب وأعشاب الأهوار، ويمتاز بإنتاج كميات كبيرة من الحليب، ولهذا فإن سكان الأهوار والذين يسمونهم في العراق بـ«المعّدان» ينتجون أفضل الألبان والحليب والجبن والزبدة والقشطة ويسمونه في العراق بـ«القيمر» وبكميات كبيرة جداً تصدر منها إلى المحافظات العراقية الأخرى حتى العاصمة بغداد، وقبل الاحتلال الأمريكي للعراق كانت تصدر منه كميات كبيرة إلى الكويت والأردن وسوريا، ومع أنه لا يزال تصدر منها إلى هذه الدول بعض من منتجات أهوار جنوب العراق ولكن بكميات قليلة.
أيضاً ينتج في أهوار الجنوب نوع المنتج الذي يجمع بين الغذاء والحلوى ويطلقون عليه اسم «الخريط» ولونه أصفر أقرب إلى «الكركم» الهندي إلا أنه يختلف عنه بطعمه الحلو اللذيذ، وهو نتاج ثمرة قصب الأهوار.
كل هذا سيحرم منه العراقيون، وخاصة أهل الأهوار الذين لا مورد لهم وكل حياتهم متعلقة بهذه الأهوار التي يريد الداعشيون تجفيفها؛ لأنهم جبلوا على فعل الشر والإيذاء للبشر، وهذه المرة سيمتد إيذاؤهم للبشر والسمك والحيوان، مما يستدعي التحرك العاجل لمنع جفاف أهوار العراق رفقاً بالسمك والجاموس العراقي وأهل العراق.