هدى بنت فهد المعجل
قلما نعترف بأن الانهيار أول مسبباته نحن..!!
وقلما نقر بأن الانهيار آخر مسبباته نحن (أيضاً)..!!
وكثيراً ما نحيل الانهيار إلى دوافع أخرى وعوامل لا شأن لنا بها!! تنصلاً من المسؤولية.. وهروباً من تحمُّل نتائج الانهيار..!!
يستنزف الإنشاء من جيوب أعمارنا سنوات وسنوات حتى يكتمل البناء.. في حين ينهار ذلك البناء في لحظة هي جزء من عمر طرفة العين، تستنزف من حقيبة هول الصدمة سنوات أخرى؛ كي نعيد ترميم ما انهار وكلنا قلق من قوع انهيار آخر للمنشأة/ البناء..!!
اعتدنا توقع انهيار الأبنية المتهالكة.. والآيلة للسقوط، ولا نتوقع (أبداً) انهيار بناء تحت الإنشاء.. أو انتهينا مؤخراً من إنشائه.
البنية الأساسية.. والبنية التحتية عامل مهم في الشعور بالأمان تجاه المنشأة.. وتشترك بنية الإنسان في الشعور نفسه.
* * *
حيث إن سلامة البنية والقوة الجسدية دعامتان أساسيتان لبناء جيل سليم معافى، قادر على تحمل أعباء الحياة التي تتطلب قوة في الجسد، وذلك من خلال ممارسة أنواع الرياضة من تمارين سويدية وسباحة ورماية وركوب خيل وإقامة معسكرات تدريبية.. ولن نُسقط دور التغذية السليمة في بناء الجسد والمحافظة على بنيته من التداعي قبل سن التداعي المقدر فيزيولوجياً.
فهل نحن جيل أو مجتمع يولي البنية الجسدية الاهتمام حجم منحه للأشياء الأخرى؟؟!
المنشأة السكنية وغيرها لها عمر زمني يتدخل فيه جودة البناء وقوته.. وجودة المواد المستخدمة للعمارة، كما وبالإمكان إطالة عمرها أو تقصيره بالمتابعة والاهتمام.. إمكانية إطالة عمر الإنسان (والأعمار بيد الله)، بيد أن المتابعة الصحية المستمرة ومكافحة الأمراض والتغذية السليمة تسهم في إطالة عمره.. وهي أيضاً تتسبب في قصر عمره وسرعة دنو أجله. الأعمار بيد الله (كما نعلم) بيد أن المتابعة والحرص أخذا بالأسباب سابقة للتوكل على الخالق سبحانه.
فهل إذا انهارت منشأة حديثة العهد بالبناء نكتفي بالتسليم بالقضاء والقدر دون محاولة معرفة سبب انهيارها أمام عمرها القصير..؟!
أو إذا أهملنا متابعتها وصيانتها حتى تقع نقول إن الله أراد لها ذلك..؟!
ومَن سيتحمل ذنب أرواح فاضت تحت أنقاض المنشأة.. أجساد تضررت.. أطفال تيتموا.. نساء ترملن..؟!
الانهيار (Breakdown) مصير خطر.. خطر جداً للإنسان.. للحيوان.. للمساكن.. ولكل شيء.. حتى الأمل عندما ينهار يصبح خطراً على صاحبه..
بل قد يتسبب انهيار ما في انهيار آخر.. وانهيارات عدة، ونبقى مكتوفي الأيدي، لا نتمكن من إيجاد الحل.
وهل أشد من الانهيار العصبي..!!
الانهيار العصبي يحدث نتيجة للظروف المحيطة بالفرد التي تساهم في خلق إحباط لديه، بالوقت الذي لم يجد فيه مَن يساعده على ذلك، عندها يتحول هذا الإحباط إلى انهيار عصبي، وهناك مَن يعتقد بأن هذا الانهيار ما هو إلا حالة عرضية، والحقيقة غير ذلك بأن هذا الانهيار العصبي جاء نتيجة لتراكم الحزن واليأس الذي أحاط بالفرد، وشمل وسيطر على جميع خلاياه العصبية؛ حيث أصبح ينظر إلى الحياة على أنها لا طعم لها، وأصبح عاجزاً عن التحكم بانفعالاته ومشاعره وأعصابه، وفَقَد السيطرة على توتره.. وهو على أنواع ثلاث:
1 - الانهيار العصبي الأساسي المرتبط بما يحمله الفرد من شعور سلبي داخلي، ويشعر بأنه تحت وطأة مصاعب الحياة التي يعيشها، وبأنه لا يستطيع تحملها، كما تكون ميكانزمات جسمه عاجزة عن التأقلم معها، عندها يتعرض لانهياره العصبي الشديد، ويساهم ذلك في تغيير مسيرة حياته أو إصابته بأمراض خطيرة أو موته.
2 - الانهيار العصبي الشديد الذي ينتج عن تعرض الفرد لمشاكل قد حفرت أخاديد في عقله الباطني؛ حيث يكون في أشد حالات التوتر، وينفجر لأقل مشكلة أو إثارة يتعرض لها، وهذه الدرجة يطلق عليها بالانهيار العصبي التام.
3 - الانهيار العصبي الذي يصيب المرفهين الذين ينقصهم الاستعداد النفسي لتحمل أي هزة يتعرضون لها نتيجة للدلال الذي يعيشون فيه والرفاهية التي تحيط بهم، وعندما يتعرضون لأي مشكلة حتى لو كانت بسيطة فإنهم ينهارون، وخير مثل على ذلك الأمريكي الذي انتحر عندما لم يحصل على بطاقة الدخول إلى السينما ومشاهدة الفلم الذي كان شديد الرغبة في مشاهدته.
إذاً.. هل نملك بطاقة دخول معترك الحياة بقلوب فولاذية قادرة على تحمُّل مآسيها فلا تستطيع الفتك بنا.. أو الوصول فينا إلى أمواج الانهيار.. التي لم تسلم منه المساكن من الخارج فتنهار بعد أن تتداعى.. ولم تسلم منه من الداخل فينهار مَن هو ساكن بها.. فهو يهدد الأرض وساكنيها.. روحاً وجسداً وعقلاً ومنشأة.