إبراهيم عبدالله العمار
أيها القارئ الكريم، ربما من الجيد أن لا تتحسن أحوالك فوراً. أقولها وأصرُّ عليها خاصة لو كان وضعك يسبب لك الضغط النفسي.
يبدو هذا محيراً لمن لديه متاعب. من لديه مشاكل مالية أو وظيفية أو في علاقاته قد يعترض. سيظن أنه لا يوجد خير في استمرار ظروفه المزعجة المقلقة، لكن هناك خير كثير لو تأمل.
قبل أن أذكرها، لنرَ موقفاً يسبب الضغط النفسي، وكيف يتصرف معه شخصان. الموقف: يُريق على نفسه مشروباً وتتسخ ثيابه في العمل. يشعر الأول بالضغط النفسي ويفكر: «يا للأسف، اتسخ الثوب النظيف. لكن أنا بشر وسأخطئ دائماً ولا شك، ومثل هذه المواقف لا مفر منها، لا بأس، سأنظفه قدر الاستطاعة، وسأكون أكثر حذراً. الحمد لله أني لم أسكبه على زميلي، لكان هذا أسوأ! (يضحك وهو يتخيل أنه سكبه على زميله). والحمد لله أنه لم يكن ساخناً ويحرق جلدي، وهو شيء يحصل للكثير»، يذهب وينظف ثوبه ويستمر في ما كان يعمل وقد زال معظم الضغط أو كله.
أما الثاني فيشعر بالضغط النفسي أيضاً وتفكيره كما يلي: «تباً! ثوبي النظيف اتّسخ! في العمل! لو كنت في البيت لكان أهون! كم أنا أرعن! دائماً أفعل هذا! أليس لي عقل؟ سأبدو كالأحمق الذي لا يتحكم بيده ويسكب المشروبات على نفسه كالأطفال! سيرون ثوبي المتسخ وسأشعر بالحرج! يا له من يوم سيئ!»، يزيد الضغط النفسي.
لاحظ الفرق الشاسع بين ردّتي الفعل. الموقف نفسه، لكن التفكير مختلف وهو الذي صنع الفرق. التفكير جعل الأول يزول ضغطه فوراً (بل قَدر أن يضحك)، والتفكير كاد أن يصرع الشخص الثاني من شدة السلبية. أترى كيف ينشأ الضغط من الداخل؟
هذا الموقف يشبهه كثير: مشاكل مالية، زوجتك تتأخر عليك، زوجكِ يهمل بعض شؤون البيت، حادث سيارة، خطأ في العمل، مشكلة مع ابنك أو ابنتك، والكثير غير ذلك. كلها تمر على البشر. لكن البعض يفكر بطريقة تهوّن تلك الظروف، والبعض يحولها إلى جبال من الألم النفسي. الموقف نفسه، أحياناً لا يمكن تغييره فوراً، لكن التفكير هو الذي يصنع الفرق كله.
والآن إلى بيت القصيد: تخيّل أن ظروفك السلبية تحسنت، هل هذا خيرٌ كامل؟ تخيل أنه جاء تاجر مجهول وسدد دينك، أو جاء حكيم أو حكيمة فأقنع زوجتك أو زوجك بالتخلي عن بعض الصفات المزعجة، أو نزلت معجزة فجعلتك تعود دقائق في الزمن لتعكس ظروفاً سلبية، إلخ. هل هذا أفضل بالضرورة؟ لا. إننا إذا نجحنا في تغيير ظروفنا بحيث تُحل المشكلة فإننا نرسّخ في أذهاننا فكرة: أنّ الضغط يأتي من الخارج ولا نتحكم به وأنّ تغيير الظروف هو الحل دائماً.
الضغط فعلياً ينشأ من الداخل. مثال: ضيوف قادمون والمنزل غير مرتب. تقولين: «يا إلهي! المنزل فوضى ولا وقت لأرتبه!» يبدأ الضغط، يتسارع الوقت. لكن بمجرد أن تدركي أنك في وضع التفكير هذا – أي أنّ أفكارك سبب مشاعرك السلبية – فسيخف الضغط. بشكل عام، سواء ضغطتَ على نفسك أم لا فالظروف هي نفسها، لكن إذا هدأت فإنك تنجز شيئاً: أولاً: السكينة. ثانياً: هذا الهدوء يجعلك أقدر على التركيز على هدفك وإيجاد حل أفضل وأسرع.
إنّ الضغط غالباً يأتي من داخلنا.. من تفكيرنا. لا تقدر أن تغير كل ظروفك.. لكن تفكيرك وبالتالي مشاعرك وصحتك النفسية والجسدية.. هذه بِيدك، لا تستطيع الظروف أن تسلبها منك. ومقولة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تلخصها: «جنّتي في صدري».