عمر إبراهيم الرشيد
لطالما عزفت المنظمات الحقوقية الدولية على وتر الفساد المستشري في دول العالم الثالث وهو موجود ولا ينكره مدرك، لكنها تفعل ذلك وكأن الدول الغربية وبعض الشرقية أيضا فوق الشبهات منزهة، مؤسسات وأفراداً، أو أن طريقة التعاطي تختلف مع تلك الأطراف في العالم الثالث عنها في أوروبا وأمريكا، فهل هي العنجهية أو الصلف الأعمى؟!. آخر الأمثلة على هذا انبعاث رائحة الفساد من أغنى مؤسسة غير
حكومية في العالم، الأمر الذي لم يستطع معه أرباب القانون والحقوق لجم أنوفهم أكثر فكشفوا ما تحت السجاد كما يقول التعبير الدارج، هذا إذا افترضنا أن هذه الملاحقة القانونية والأمنية الدولية ليس وراءها أجندات ومصالح من بعض الدول. فهذه المنظمة الرياضية الكبرى ترتبط بمصالح اقتصادية مع معظم الدول نظير ما تمثله مسابقاتها الكبرى من فرص اقتصادية وسياسية لدول العالم كافة، وفي أروقة هذه المنظمة تدور صفقات بعضها في العلن والأخرى خلف أبوابها الموصدة. كما أن هذه المنظمة بما تمتلكه من موارد مالية مهولة لها من النفوذ والتأثير على مؤسسات اقتصادية وسياسية وحكومات واتحادات كروية لا تخفى، كونها تدير صناعة اللعبة الرياضية الأولى في العالم بما تمثله من تأثير جماهيري جارف لدى غالبية شعوب العالم، وبالتالي التأثير اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ومن هنا يأتي تأثير هذه المنظمة وخطورة مكانتها.
مثلما أن شره الطعام والشراب يفضي إلى العلل الباطنية والتخمة وداء المفاصل، كذلك فإن شره الكسب والجشع والمادية المقيتة، كل تلك تفضي إلى الفساد وضرب القيم بعرض الحائط. دخل المال في كل صغيرة وكبيرة في نشاط هذه المنظمة عبر العالم، ومن ثم سرت العدوى إلى المؤسسات المنضوية تحت ظلالها، وأصبح قادتها ومدراؤها أغنى من رؤساء الوزارة في دولهم، نظير تقاضيهم رواتب ضخمة مع عمولات ورشى لبعضهم. هذه العمولات والأموال والتسهيلات التي تدفعها شركات تتعاقد مع الفيفا، واتحادات رياضية، عدا عن رشى وأموال دفعت حسب الاتهامات الأخيرة لاتحادات هدفها كسب أصوات للانتخابات الأخيرة لمنصب رئاسة الفيفا. إذاً فالفساد يشمل المنظمة وبعض من يتعامل معها عبر العالم من شركات ومؤسسات رياضية. الفيفا كما يسمى اختصاراً للاتحاد الدولي لكرة القدم يفترض فيه أن يكون حارساً للتنافس الشريف والأخلاق الرياضية، واستغلال الرياضة لمكافحة انفلات الغرائز المادية والعنصرية ونشر السلام. هذه المبادئ الإنسانية السامية للأسف غدت مجرد شعارات تواري خلفها انفلات أخلاق وشره تملُّك وشهوة سلطة، وأصل كل ذلك المال، مبتدأ الأمراض الاجتماعية والفساد الإداري والسياسي والاقتصادي. ثم انظر إلى إملاء هذه المؤسسة تعليماتها بكل عنجهية وتبختر على اتحادات دول العالم الثالث ومنها اتحاداتنا الخليجية، وركض هذه الاتحادات لنيل رضاها وتنفيذ تعليماتها. بالطبع ليس مقبولاً منا الفوضى أو الانفصال بالضرورة عن مؤسسات دولية مثل هذه، ولا شرعنة الفساد لدينا أياً كان نوعه، إنما ليتنا نستلهم الدروس والعبر ونستعيد ثقتنا بأنفسنا ونتعظ بغيرنا، ونعيد كرة القدم لدينا وفي عالمنا العربي عموماً إلى أهدافها الأساسية، إلى كونها ترويضاً للنفس والأخلاق، مضيفين إليها تطويرها لدى من سبقونا وجعلها ثقافة ترفيهية راقية ووسيلة لمحاربة التطرف والتعصب والأمراض الاجتماعية بأنواعها، وصناعة تخلق الفرص الاقتصادية والترفيهية والاجتماعية. أقول ذلك لأن ما حصل من كشف للفساد والذي هو ليس بجديد على كل حال، لا يعني أننا بمنأى عنه ولا أننا أفضل منهم رياضياً ومؤسساتياً، ولنأخذ ما لديهم مما ينفع ويفيد ونترك ما لديهم من سموم نستوردها ونحسبها عسلاً مصفى، وهذا عام وليس في الرياضة فقط كما يعلم الجميع. لقد كتبت هنا من قبل وأكرر أن قطاع الرياضة لدينا منجم فرص، يمكننا من خلاله إطلاق حملات الوعي والتثقيف بسلوب احترافي، واستغلال المنافسات والمباريات الكبرى لزيادة الترفيه وجعلها مهرجانات فرح متوازن وبث الرسائل غير المباشرة من خلالها، وحسناً فعلت رئاسة رعاية الشباب بالتعاون مع جمعيات خيرية بفتح المجال للشباب من العاطلين والمحتاجين للبيع وكسب الرزق في الملاعب الرياضية خلال المباريات. وهنا لابد للإنصاف والحق، أقول هناك عمل وسعي للتطوير لدينا، هناك شخصيات إدارية تعمل بنشاط وإخلاص رغم ما تواجهه من عواصف ومضايقات، وهناك لاعبون وإداريون هم مصدر ثراء لهذا القطاع والوطن عموماً، نشد على أيديهم جميعاً. فلنثق بأنفسنا ولنترك لغة الإقصاء والتعصب ونتوحد لنرى النتائج المبهرة. لدينا من القيم الإسلامية السامية في بعدها الإنساني ما يحسن بنا تقديرها في منافساتنا، لتعزيزها لدى عشرات الآلاف من الحضور الجماهيري الأكبر في المنطقة. كما أنّ تطوير قطاع الرياضة باختيار الكفاءات القانونية والإدارية لضبط السلوك في حالة انفلاته لدى لاعب أو إداري، والتفكير بعقلية المؤسسات لا الأفراد، وحسن الإعداد والتدريب وإدخال الرياضة بكل قطاعاتها ضمن برنامج الابتعاث الوطني، وإنشاء أندية الأحياء وتطوير الرياضة المدرسية والتي بدأت بالفعل، كل هذا وغيره كفيل بإعادة هيكلة هذا القطاع المتهلهل وإحداث نقلة حضارية كبرى فيه. عند ذلك سنجعل مسئولي فيفا أو الاتحاد الآسيوي طيب الذكر يحنون رؤوسهم لنا احتراماً. ثم وهذه جد خطيرة، التخلص من عقدة الحكم (الخواجة) وإعادة الثقة بالحكم المحلي عبر حسن الإعداد والتدريب وإتاحة الفرص له، فلا أسوأ من هذه الرسالة غير المباشرة التي نبعث بها إلى العالم بأننا لا نثق بحكامنا فجلبناكم أيها الأجانب!.