جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد أكثر من عقد من الزمن لا يزال الباحثون في حيرة من أمرهم في تحديد هوية هذا التنظيم الإرهابي. كما يستغرب الباحثون عن مزاعم قادة هذا التنظيم وادعائهم بالدفاع عن أهل السنة، في حين السنة هم المتضررون، ويكاد أن يكونوا المكون الوحيد المستهدف جراء الجرائم الإرهابية التي ينفذها التنظيم، ليس فقط في سوريا والعراق، بل أيضاً في المملكة العربية السعودية ومصر وليبيا وتونس والجزائر.
الإرهاصات التي مهدت لظهور هذا التنظيم المشبوه تمثلت في الإعلان عن إطلاق ما سُمي بالدولة الإسلامية في العراق من قِبَل ممثل تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي الذي قَدِم إلى العراق عبر إيران، قادماً من أفغانستان. الزرقاوي الذي حصل على تسهيلات من النظام الإيراني، وأثناء قيادته لتنظيمه في العراق قدَّم خدمات للنظام الإيراني تمثلت في إشعال الفتنة الطائفية من خلال استهداف عنصار تنظيمه لمواكب العزاء والمراقد الشيعية، والتي يتم الرد عليها باستهداف المدنيين الأبرياء من المكون الآخر. وهكذا يفجر الزرقاوي ويرتكب الجرائم الإرهابية، فيرد عليها عناصر المليشيات الطائفية، وكلا الطرفين يخدمان مخطط النظام الإيراني، الذي كان يهدف إلى إثارة الفوضى في العراق لإفساح المجال له للتمدد وتعزيز النفوذ في القطر العربي.
الزرقاوي، وبعد أن أصبح خطراً على مصالح الدول المجاورة للعراق، وخصوصاً الأردن الذي ينحدر منه، وبعد قيام خلايا من تنظيمه بتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية فوق الأراضي الأردنية، تمكنت المخابرات الأردنية من الوصول إليه وقتله. ويُلاحظ هنا أن النظام العراقي المحكوم من قبل نوري المالكي والمتعاون مع نظام ملالي إيران لم يكن هو الذي قضى على الزرقاوي الذي كان مرصوداً من قبل العراقيين والإيرانيين الذين كانوا يرون فيه خادماً لمخططاتهم.
الآن تنظيم «داعش» ينفذ المخطط نفسه، فداعش تحتل المحافظات والمدن العراقية التي يقطنها أهل السنة وبتواطئ وتخاذل من قبل القوات المسلحة العراقية، إذ تبادر قطاعات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية إلى الانسحاب من مواقعهم وتركها مع المعدات والأسلحة ليستولي عليها تنظيم داعش.
حصل هذا في محافظة نينوى التي شهدت هروباً من قوات الجيش والشرطة رغم أعدادهم الكبيرة وتركهم لأسلحة ومعدات ساعدت عناصر التنظيم للتقدم للاستيلاء على محافظة صلاح الدين وأجزاء من محافظتي ديالى وكركوك.
وبعد سقوط أكثر من ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش، وتهديد العاصمة بغداد بعد وصول عناصر التنظيم إلى جرف بغداد، أي إلى حدودها، وظهور تهديدات باجتياح كربلاء والنجف المقدستين لدى الشيعة بدأ تنفيذ الشق الثاني من المخطط، إذ بادرت المرجعية الشيعية إلى إعلان تشكيل قوات الحشد الشعبي من مليشيات الأحزاب الشيعية لمواجهة خطر داعش الذي يهدد باجتياح مدن المقدسات الشيعية، لتصبح قوات الحشد الشعبي بعد رفدها بخبراء وقادة إيرانيين وتزويدهم بأسلحة ومعدات تم شراؤها من إيران أكثر قوة عدداً وعدة من الجيش العراقي الذي صُرف عليه مليارات الدولارات.
الحشد الشعبي الذي يقوده هادي العامري رئيس منظمة بدر الطائفية والجنرال في الحرس الثوري الإيراني، ويشرف على تحركاته ويوجهه قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الحشد الشعبي دخل المعركة في مواجهة داعش، واستطاع بمشاركة القوات المسلحة والعشائر العربية في استعادة بعض المدن والمحافظات العراقية، ومنها تكريت والعظيم وتلعفر وأميرلي، وقد رافق عمليات طرد داعش تنفيذ عمليات انتقام واستهداف لأهل السنة وخاصة في تكريت والدور وتلعفر والعظيم، والهدف هو تخويف أهل السنة وإجبارهم على ترك مناطقهم ومدنهم، وتنفيذ عملية عزل عنصرية تنفذها المليشيات الطائفية لتفريغ المناطق والمدن السنية وإحلال عوائل من الجنوب في مكانهم.
هذه الخدمات التي يقدمها داعش تكفي لتحديد مَنْ أنشأه ومَنْ يستفيد من وجوده.