محمد بن فهد العمران
قبل أسبوعين، صرّح أحد كبار المسؤولين في الصندوق السيادي النرويجي لوكالة رويترز بأن الصندوق ينوي اتخاذ إجراءات ضد الشركات التي ترتكب مخالفات أخلاقية تضر البيئة والمجتمع عند ممارستها لأنشطتها التجارية،
وذلك باستبعادها من المحفظة الاستثمارية نهائياً في حال عدم تصحيح أوضاعها قريباً، وهو بلا شك تأكيد قوي من الصندوق السيادي الأكبر حول العالم (والذي يستثمر مباشرة في أسهم أكثر من 9 آلاف شركة عالمية) لتبني مفهوم «الاستثمار الأخلاقي» بعد انسحابه فعلاً من استثمارات في شركات تعمل في أنشطة التبغ والفحم وإنتاج زيت النخيل والأسلحة النووية والتعدين، وفي شركات تنتهك حقوق الإنسان ومتورطة بقضايا فساد.
لقد برز مفهوم «الاستثمار الأخلاقي» في السنوات الأخيرة كخيار إستراتيجي مهم بحيث يتم توجيه رؤوس الأموال نحو الأنشطة التجارية التي تساعد على تنمية المجتمع (المسؤولية الاجتماعية) وتحسين البيئة كأن يتم مثلاً توجيه رؤوس الأموال من صناعة الحديد وتوليد الطاقة بالديزل إلى إنشاء مستشفيات جديدة وتوليد الطاقة من أشعة الشمس، وقد يتوسع المفهوم ليشمل المبادئ الدينية والأخلاقية للإنسان بحيث يجب أن يأخذ هذا المفهوم دائماً أهمية أكبر من الأساسيات التقليدية للقرار الاستثماري والتي في الغالب تعتمد على العائد والمخاطرة دون النظر لأي اعتبارات أخرى، وبالتالي قد تتسبب في أضرار كبيرة أو تنطوي على تكاليف غير ملموسة في المدى الطويل،
نتيجة لبروز هذا المفهوم، تأسست في بريطانيا وأستراليا جمعيات للاستثمار الأخلاقي من قِبل متطوعين يستهدفون نشر ثقافة الاستثمار الأخلاقي بين أوساط المستثمرين والمستشارين الماليين والجمعيات الخيرية لتوجيه القرارات الاستثمارية نحو الاستثمارات النافعة بعيداً عن الاستثمارات الضارة، وفي نفس السياق أقدمت كبريات الصناديق السيادية والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية العالمية بتبني هذا المفهوم بشكل واسع، إلا أنني مع الأسف لم أجد في المملكة تبنياً لهذا المفهوم حتى الآن في دهاليز مؤسسة النقد العربي السعودي أو المصارف التجارية أو الشركات الاستثمارية، ولا أدري حقيقة أين نحن من «الاستثمار الأخلاقي» بمفهومه الواسع؟.. ومتى سنبدأ في تطبيقه؟
حتى أكون منصفاً، هناك بعض المصارف التجارية أو المؤسسات المالية أو الشركات التجارية في المملكة التي تتبنى مفهوم «المسوؤلية الاجتماعية» وإن كان بخجل شديد، وهذا بالتأكيد جهد رائع إلا أن المسؤولية الاجتماعية تمثّل جزءاً صغيراً جداً بالنسبة للاستثمار الأخلاقي، وفي نفس السياق هناك شركات أو مؤسسات أو أفراد بالمملكة يتبنون مبادئ الاستثمار المتوافق مع الشريعة الإسلامية في قراراتهم الاستثمارية، وهذا أيضاً رائع إلا أن الاستثمار الأخلاقي أكثر شمولية وعمومية من ذلك، ولذلك لا يمكن اعتبار أننا في المملكة نتبنى مفهوم الاستثمار الأخلاقي بأي حال من الأحوال.
يجب الإشارة إلى أن تبني مفهوم «الاستثمار الأخلاقي» يختلف من جهة لجهة، ومن شخص لشخص بحسب فهمهم الخاص وهذا طبيعي، إلا أن الجميل أنه يساعد على القيام بأعمال خيرية بشكل غير مباشر ودون أن تدفع مبلغاً يزيد على مبلغ الاستثمار، كأن يكون الاستثمار مثلاً في فندق يخدم حجاج بيت الله الحرام أو في مؤسسة تعليمية لتخريج الأطباء أو في مصنع للعصائر الطازجة أو غيره من الأفكار التي لا تنتهي طالما أن هناك رغبة صادقة لتبني هذا المفهوم الرائع في جميع قراراتنا الاستثمارية، بل وقد يمتد ذلك إلى مفهوم شقيق له وهو «الإنفاق الأخلاقي» الذي يطبقه الكثير منا اليوم في جميع أموره الحياتية بحيث يكون الإنفاق في منتجات أو خدمات نافعة بعيداً عن المنتجات أو الخدمات الضارة.