محمد بن فهد العمران
في مقالي السابق تطرقت إلى المغالطات والإسقاطات التي مارسها أحد الزملاء الاقتصاديين في الإعلام من خلال مناقشة نقاط جوهرية عدة مرتبطة بموضوع فرض رسوم الأراضي البيضاء. وتطرقت أيضاً إلى الوصاية التي مارسها هو على أجهزة حكومية وبنوك تجارية، كما لو أنه ولجنته العقارية في إحدى الغرف التجارية أكثر فهماً وحرصاً على مصلحة الوطن والمواطن من هذه الكيانات العملاقة. وأمام هذه المغالطات والإسقاطات، ثم أمام لعبه دور الوصاية، فأنا لم أستطع التوقف عن الضحك المتواصل.
كما نعلم جميعاً، كانت هناك محاولات مستميتة من زميلنا الاقتصادي وبعض العقاريين (أقول بعض العقاريين؛ لأن هناك عقاريين عقلاء يتفقون معي حول تأثير فرض الرسوم على الأراضي البيضاء) لمنع فرض الرسوم على الأراضي البيضاء بشتى الطرق؛ إذ حاولوا اعتبار قضية الرسوم قضية «دينية»، يتوجب إقرارها أولاً من هيئة كبار العلماء الموقرة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ولله الحمد. والمضحك هنا أن زميلنا الاقتصادي وبعض العقاريين أصبحوا الآن لا يتحدثون عن أنها قضية «دينية» على الإطلاق، وبقدرة قادر أصبحوا يعتبرونها قضية «اقتصادية»، وهو ما كنا ننادي به سابقاً أنا وكثير من الإخوة الاقتصاديين. فما الذي تغير يا ترى؟
من جانب آخر، تقوم فكرة الزكاة في الإسلام على التوازن الاقتصادي الذي فرضه الله - عز وجل - بين الأغنياء والفقراء بحيث يتم «اقتطاع» حصة من أموال الأغنياء، وتخصيصها للفقراء وفق شروط خاصة، من أهمها حولان الحول، إلا أن الغريب أن زميلنا وبعض العقاريين يرون أن «اقتطاع» رسوم الأراضي البيضاء سنوياً سيمكن البائع من تمرير قيمة «الاقتطاع» على المشتري النهائي. وهم بذلك يقولون (بشكل غير مباشر) إن فكرة «الاقتطاع» السنوي على قيمة الأصول ستؤدي إلى رفع الأسعار بدلاً من توازنها بغض النظر عن المسميات والنسب المئوية، وهذه إسقاطة خطيرة لم يستوعبها البعض، ولا ألومهم في ذلك؛ لأنهم لم يستوعبوا مبادئ الاقتصاد في الأساس.
وفي السياق نفسه، لا أبالغ في القول إن نظرية «كينز» الشهيرة في علم الاقتصاد، التي تقوم على فكرة التدخل الحكومي المباشر لعمل التوازن الاقتصادي، وتلتزم بها اليوم جميع دول العالم (من خلال وزارات المالية والبنوك المركزية)، مأخوذة بشكل أو بآخر من فكرة الزكاة نفسها؛ إذ إن السياسات المالية والسياسات النقدية في جميع دول العالم تقوم على مفهوم التوازن الاقتصادي في قرارات «اقتطاع» الضرائب، وتحديد أسعار الفائدة على عملاتها، وقرارات الدخول أو الخروج من عمليات السوق المفتوحة، بما يخدم مصالحها الخاصة. وعلى المنوال نفسه، لن تخرج رسوم الأراضي البيضاء عن هذا الإطار على اعتبار أنها ستصبح إحدى أهم أدوات السياسة المالية في المملكة في القريب العاجل.
في الختام، أحمد الله - عز وجل - أن ولاة أمرنا - حفظهم الله - يملكون الحكمة في اتخاذ القرارات التي تصب في صالح اقتصاد الوطن، ويغلبون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في كل الظروف؛ ولهذا السبب أمر خادم الحرمين الشريفين بعد أيام من توليه السلطة بإنهاء 3,700 مخطط عقاري، تتضمن ما يزيد على مليونَيْ وحدة سكنية، ثم أقر - حفظه الله - فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، ومن المتوقع أن يتم العمل قريباً بنظام جباية الزكاة على الأراضي، وربما يتبع ذلك مبادرات أخرى في المستقبل.. والرسالة التي ينبغي أن يفهمها العقاريون أن وضع القطاع قد تغير وأن السنوات القادمة ستحمل تطويراً وتنظيماً كاملين للقطاع العقاري في المملكة.