أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن مِـمَّا احْتَجَّ به المانعون من لَعْنِ الشيطان حديثُ (أبو المُلَيح).. [الرفعُ على الْحِكاية].. قال الألباني رحمه الله تعالى: (فما ينبغي أن يلعن الشيطانَ؛ وإنما يستعيذ بالله من شر الشيطان الرجيم.. سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت باب اللعان برقم 146 /لعن الشيطان].
وقال أبو داود رحمه الله تعالى في سُنَنِه: ((حدثنا وهب بن بقية: عن خالد (يعني ابن عبد الله): عن خالد (يعني الحذاء): عن أبي تميمة: عن أبي المُليح: عن رجل قال: كنت رديفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرتْ دابة.. [الصواب: دابَّته]؛ فقلت: (تعس الشيطان)، فقال: (لا تقل تَعِسَ الشيطان)؛ فإنك إذا قلتَ ذلك تعاظم حتى يكونُ مِثلَ البيت، ويقول: (بقوتي)، ولكن قل: (بسم الله)؛ فإنك إذا قلت ذلك تصاغرَ حتى يكون مثل الذباب.. [رقم4982]، والحديث رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في المسند بأسانيد.. وقال الْهَيْثَميُّ في مجمع الزوائد 10 / 186، 17099: ((ورجالُها كلُّها رجالُ الصحيح )).. والحديث قال عنه الألباني رحمه الله في الكلم الطيب 1 / 174، و238:صحيحٌ)، وكذلك شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد قال: إسناده صحيح) 5 / 71، 20709، واحتجوا أيضاً بحديث أبو هريرة رضي الله عنه الذي رواه الحافظ أبو القاسم تمام بن حمد الرازي في كتابه (الفوائد) 1 / 311، 778/ ط الأولى، 1421هـ / مكتبة الرشد بالرياض.. قال: أخبرنا أبو يعقوبَ إسحاقُ بن إبراهيم الأذرعي: حدثنا يحيى بن أيوب العلَّاف: حدثنا أبو صالح الحراني عبدُ الغفار بن داود بن مهران: حدثنا عيسى بن يونس: عن الأعمش: عن أبي صالح: عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الشيطان؛ فإنه يتغيظ، ولكن تعوذوا بالله عز وجل من شره)).. قال الألباني رحمه الله تعالى في (السلسلة الصحيحة) 5 / 547: رواه أبو طاهر المخلص 9 / 196 / 2، وعنه الديلمي 4 / 148، وتمَّام في (فوائده ) 122/ 1، وأبو عبد الله الغضائري في (أحاديثه 204 / 2 ): عن عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني قال: حدثنا عيسى بن يونس: عن الأعمش: عن أبي صالح: عن أبي هريرة [رضي الله عنه] مرفوعاً..قال: قلت: وهذا إسناد صحيح, رجاله ثقات، رجالُ الشيخين غيرُ عبد الغفار بن داود فمن رجال البخاري، وخرجه رحمه الله في صحيح الجامع برقم 7318.].. قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه (زادُ المعاد ): عن فصلٍ في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ 2 / 355: ((ومِن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولَنَّ أحدكم: تَعِسَ الشيطان؛ فإنه يتعاظم حتى يكون مِثلَ البيت؛ فيقول: بقوتي صرعته، ولكن ليقل: بسم الله؛ فإنه يتصاغر حتى يكونَ مثلَ الذباب)).. وفي حديث آخر: ((إنَّ البد إذا لعن الشيطان يقول: إنك لتلعنُ مُلَعَّناً.. ومثل هذا قول القائل: أخزى الله الشيطان؛ وقبَّح الله الشيطان؛ فإن ذلك كله يُفْرحه، ويقول: (علم ابنُ آدم أني قد نِلْته بقوتي؛ وذلك مما يُعِينه على إغوائه، ولا يفيده شيْئاً؛ فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَسَّه شيئٌ من الشيطان أنْ يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه، ويستعيذ بالله منه؛ فإن ذلك أنفع له، وأغيظ للشيطان))... ومِن الفتاوى الحديثة قول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: ((الإنسانُ لم يُؤمَرْ بلعن الشيطان؛ وإنما أُمِرَ بالاستعاذة منه!!؟.. وقال: لا يمكنُ لدعوةٍ أبداً أنْ تتم على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل إلا إذا كانت مبنية على العلم)).
قال أبو عبدالرحمن: ولا يمكن أبداً لِدعوة أنْ تَتِمَّ على ما يرضاه الله إلا أنْ تُنَزِّل أحكامُ الشريعة الصحيحة دلالةً وثبوتاً على وجوهِها، ولا يُلْغَى ما نفاه الشرعُ؛ فلعائن الله تترى على شياطين الجن والإنس؛ واللعن واجب، وليس هو مُجَرَّدَ جائزٍ بغير كراهية أو مع الكراهية.. ومَنْ لم يُجِز لَعْنَ الشياطين وجوباً فقد تَقَنَّعَ بمذاهب كفرةِ الحلولية والاتحادية الذين حكموا بإيمان فرعون؛ لأن القائل: (أنا الله) إنما هو ربنا جل جلالُه.. حلَّ في فرعون لعنهم الله وقبَّحهم، وقد أُلِّفتْ كُتُبٌ في هذا الموضوع مثلُ كتابِ (تفليس إبليس)، وتكفير من قال بإيمان فرعون للعز ابن عبدالسلام وغيره، وأجودُها كتابُ إبراهيم بن عمر البقاعي رحمهم الله جميعاً، وتأتي إن شاء الله تعالى براهينُ الحقِّ في ذلك.. وقال الشيخ ابن عُثَيْمين أيضاً: ((والذي رأيته في بعض الكتب أنَّ بعض العلماء يلعن إبليس عند ذكره مِثْلِ ما جاء في مجموع الفتاوى (3/120) لابن تيمية.. قال: ((وقد ذُكِر عن آدم أبى البشر [عليه السلام] أنه استغفر ربه.. [قال أبو عبدالرحمن: ما أسخف صيغةُ التمريض هذه: (ذُكِرَ!!)، وإنما وجهُ الشاهدِ أنَّ آدمَ عليه السلام لَعَنَ إبليس، وهذا غير مُسْتبْعد؛ ولكنَّه يحتاج إلى توثيقٍ بإسنادٍ صحيح]، وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه و[أيْ: وقال] عن إبليس أبى الجن لعنه الله:إنَّه أصَرَّ متعلقاً بالقدر؛ فلعنه وأقصاه)).
و[أيْ ومثلِ] ما جاء في الجواب الكافي (1/100 (: قال إبليس لعنه الله أهلكتُ بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك.. إلخ)).. وفي مدارج السالكين (1/459): ((ويحكى أن إبليس لعنه الله ))، وفي عقيدة الفرقة الناجية ص 24 للشيخ محمد بن عبد الوهاب: ((والطواغيت كثيرون.. [الصواب كثيرٌ لدلالتها على الجمعِ، وهي لغة القرآن الكريم، وتَشْمَلُ الذكر والأنثى] رؤوسهم خمسة إبليس لعنه الله، ومَن عُبِد وهو راض، ومَن دعا الناسَ إلى عبادة نفسه، ومَن ادَّعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله )).. وفي سُلَّم الوصول للشيخ حافظ حكمي (2/462 (((وزين الشيطان لعنه الله لقوم نوح عبادة الأصنام)).. قال الْـحَكَمِيُّ: ((كنتَ شيخَنا بارك الله فيكم قد أكثرتَ مِن [يعني الشيخ ابن عُثَيْمِن] ذِكْر كلمة (يلعنه الله ) عن الشيطان في درس يوم الأحد10 رجب1432، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، ولكنْ ذَكَرَ أَهلُ العلم عملاً بأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: أنه لا ينبغي إكثارُ من [الصواب: الإكثارُ مِن] اللعن حتى ولو كان كافراً , وحتى ولو كان الشيطان، وإليكم كلام الشيخ عطية محمد سالم في شرحه بلوغَ المرام: اللعن هو الدعوة [الصواب الدعاء] بالطرد من رحمة الله، ولا يجوز لعن الْمُعيَّنِ ولو كان كافراً؛ لأن اللعن معناه الطرد من رحمة الله، وما يدريك لعلَّ عنايةَ الله تدرك الكافر فيؤمن، فأين تذهب اللعنة حينئذ؟.. ومما جاء من النهي عن اللعن أن اللعنة إذا خرجت من إنسان صعدت إلى السماء؛ فتُغْلَقُ دونَها أبوابُ السماء؛ فتعود إلى الأرض؛ فإن وجدت أنَّ مَن توجَّهتْ إليه أهلاً لها: وجبت عليه، وإن لم تجده أهلاً لها: رجعت على من قالها؛ فتبعته)).
قال أبو عبدالرحمن: لا حول ولا قوة إلا بالله.. زادنا الحكمي -وهو كان زميلاً لي بمعهد القضاء العالي- خطأً على خطإٍ.. ما له هداه الله، أو رحمه إنْ كان لقي ربه يتورَّعُ مما أوجبه الله مِن لَعْنِ شياطين الجنِّ والإنس لعنهم الله: وعليهم لعائن الله تترى إلى يوم القيامة.. والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمنا الله ورحمهم جميعاً أَفْقَهُ منهم ولم يُلْغِ ما أوجبه الله.. وأمَّا أنَّ (لعنه الله) خَبَرٌ: فذلك خطأ مُتَفَشٍّ؛ بل هو عند الإطلاق دعاءٌ على المَلْعُون، ولا يُحْمَلُ على الخبر إلا ببرهانٍ من خارج كقولك: ((أتلعنون رجلاً نَصَّ القرآنُ الكريم على أنَّ الله رضي عنه وأرضاه كما في آخر سورة (والليل إذا يغشى)، وشهد في سورة (التوبة) بأنَّ الله رضيَ عنه وأرضاه)).. ومن المعاصرين أيضاً الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ؛ فقد تعرَّض للمسألة في شرحِه كتابَ الطحاوي؛ فكان ناقلاً لخلاف بعض الفقهاء لا غير؛ فذكر القول الثاني، وَوَجَهَّهُ بحديث: (إنَّ الَّلعانَ لا يكون شفيعاً ولا شهيداً يوم القيامة)؛ وهذا منهج فُضوليٌّ؛ وهو أيضاً مُضَلِّلٌ؛ فأما أنه فضوليٌّ فلأنَّ رجالَ العلم اليوم لا يحتاجون إلى سردِ أوجه الاختلاف بين بعض الفقهاء بلا ترجيح ببراهين تقوم بها الحجة؛ فقد كُفينا ذلك، وكَثُر تأليف السلف في الاختلاف.. وأمَّا أنَّهُ مُضَلِّلٌ فلأنه ذكر توجيه مَن لم يُجِزْ لعن الشيطان بحديث صحيح عن اللعانين، ولكنَّه في غير مَحَلِّ النزاع؛ فالواجبُ دَحْضُ هذا الاستدلال المعترضِ على ما أوجبه الشرعُ مِن لعن الشيطان، أو عدم التعرض للمسألةِ، وتَرْكُ القول لأهلِ العلمِ والتحقيق.. وفي السبتية الماضية بعضُ ما يلزم التعريفُ به، فمن ذلك: [موريس بوكاي]؛ وهو بالفرنسية Maurice Bucaille (19يوليو 1920 - 17 فبراير 1998) طبيب فرنسي نشأ مسيحياً كاثوليكياً، وكان الطبيبَ الشخصيَّ للملك فيصل آل سعود رحمهم الله تعالى، ومع عمله في المملكة العربية السعودية، وبعد دراستِه الكتبَ المقدسة عند اليهود والمسلمين، ومقارنتِه قصةَ فرعون لعنه الله، أسلم، وألف كتابَه (التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث) الذي تُرْجِم لسبع عشرة لغة تقريباً منها العربية.. ومِمَّا اشتهر من مقولاته: ((فالقرآن فوق المستوَى العلمي للعرب، وفوق المستوى العلمي للعالم، وفوق المستوى العلمي للعلماء في العصور اللاحقة، وفوق مستوانا العلمي المتقدم في عصالعلم والمعرفة في القرن العشرين، ولا يمكن أن يصدر هذا عن أُميٍّ؛ وهذا يدل على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي يوحى اليه)).
قال أبو عبدالرحمن: لهذا التعريفِ بقيةٌ، وسأذكر إن شاء الله تعالى أنَّ العربيَّ سليقةً فقيهٌ مُبَرِّزٌ فِقْههُ فوق فقهِ العلماء الذين تعلَّموا لغة العرب دراسة بعد فساد السليقة؛ ولهذا فَحُجَّةُ الله عليهم قائمةٌ بلزومِ إطاعتِهم شرائعَه، وتحريمِ معصيتِه؛ وإلى لقاءٍ عاجلٍ قريبٍ إن شاء الله تعالى، والله المستعان.