ونحن في المائة يوم الثانية من عهد الملك سلمان، لا بد أن نتذكر التغييرات الإستراتيجية التي تمت في مؤسسات الدولة، وبين القيادات العليا، بهدف تفعيل وتنشيط الأداء الحكومي، وتمكين أجهزة الدولة من أن تواكب التوجهات الجديدة في عملها، ضمن الحراك الشبابي الذي رأى الملك سلمان أن يشركه في المرحلة الجديدة التي رسم لها خطوطاً وسياسات يريد منها أن تلبي طموحات الدولة، وتستجيب لطموحات المواطنين في عهده الميمون.
***
فقد كان من ضمن هذه الخطوات المهمة التي فاجأ بها الملك سلمان بن عبدالعزيز مواطنيه، ضم وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة، وإطلاق اسم وزارة التعليم على الكيانين المندمجين، وضم ديوان سمو ولي العهد إلى الديوان الملكي، وإلغاء المجالس العليا المتخصصة، والاكتفاء بمجلسين يقومان بما كانت تقوم به المجالس الملغاة من مسؤوليات مع مزيد من الصلاحيات للمجلسين الجديدين، أحدهما يختص بالأمن والسياسة، والآخر بالاقتصاد والتنمية، ونقل بعض المؤسسات التي كانت تقوم بإدارتها والإشراف عليها وزارة المالية إلى عدد من الوزارات الأخرى بحكم الاختصاص. وكان من بين التطورات في هذا التوجه ما مس شركة أرامكو من تغيير لافت في هيكلتها، وهذا هو موضوعنا في هذا المقال الذي كتبته في ثلاث حلقات.
***
فقد ظلت شركة أرامكو السعودية منذ انتهاء علاقتها بشركة أرامكو الأمريكية تتمتع باستقلالية تامة، وبعدم التدخل في شؤونها، وتحافظ على الإرث الذي تركته الثقافة الأمريكية في إدارة الشركة، ولا تسمح بأي ثغرة يمكن أن تعرّض منهجيتها إلى التدخلات التي تفقدها السيطرة على أكبر احتياطي وإنتاج وتصدير للبترول في العالم، وكانت الدولة في كل العهود ولا تزال تقف بصرامة وحزم مع هذه السياسة بالتأييد والدعم، ما جعل أي تفكير بالتدخل في سياساتها أمراً غير وارد.
***
وبعد عقود من الزمن، ونجاحات مميزة، واعتماد على الكفاءات السعودية، والأخذ بسياسة التدوير في المراكز العليا في الشركة، ما أظهرها متميزة وغير عادية في سمعتها ومسيرتها منذ سعودتها وإلى اليوم، إلا أن المستجدات في الأسواق العالمية، وتراجع أسعار البترول، والحاجة إلى مواجهة ذلك بمجموعة من الخطوات تطلب من الجهات العليا المسؤولة أن تفعّل هذه المسيرة الطويلة من النجاح بخطوات أخرى تكرس قدرات الشركة على المنافسة مع الشركات الأخرى المماثلة في الأسواق العالمية بل والتفوق عليها.
***
وقد تفاعل المواطنون مع هذه الخطوات التي طالت هيكلة شركة أرامكو، وكان نبض الشارع عالياً، ربما لأن اعتماد المملكة في تنميتها ومشروعاتها على ما تنتجه هذه الشركة العملاقة من نفط، يستهلك بعضه في الداخل، ويصدر الكثير منه إلى الخارج، هو الذي جعل من التنظيمات الجديدة محل مناقشات إيجابية، وتفاعلات بين المواطنين. ولعلي بهذا المقال أوفق في نقل بعض ما وصلني من اقتراحات ورؤى وتمنيات من مواطنين يثمنون عالياً هذا التوجه المستنير في التنظيم، فإن لم أوفق فهذا جهد متواضع من صحفي غير متخصص، ومن دون أن يتمتع بخبرة تؤهله لذلك، وإن كان الأمر غير ذلك، فالفضل فيه لمن زودني من المواطنين بهذه المقترحات.
(يتبع غداً).