د.عبدالعزيز العمر
يقوم كل مجتمع من مجتمعات الدنيا بتحديد أهداف وأجندة يوكل مسؤولية تحقيقها الى نظامه التعليمي، أي أن النظام التعليمي ما هو إلا نظام صغير يخدم نظاماً كبيراً (الدولة تحديدا)، يستوي في ذلك المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة على حد سواء. الاختلاف بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة في هذا الجانب يكمن في نوعية (الرؤية) و(الرسالة) و(المساحة) التي يحددها المجتمع لنظامه التعليمي، ففي المجتمعات المتقدمة يمنح المجتمع نظامه التعليمي هامشاً كبيراً من الحرية والمرونة الإدارية والمالية في صناعة القرار وذلك في ضوء رؤية مستقبلية وطنية واضحة وواعدة يسهم في إعدادها كل شرائح المجتمع، وفوق ذلك يمنحه الثقة ويحمله مسؤولية جودة مخرجاته وفقاً لمعايير محاسبية يعرفها ويلتزم بها القائمون على النظام التعليمي، هذا يعني أن التعليم في الدول المتقدمة هو القاطرة التي تقود التحديث والتطوير. أما في المجتمعات المتخلفة فالنظام التعليمي غالبا ما يكون مكبلاً بقيود مجتمعية وإدارية وثقافية تجعله عاجزاً عن الحركة وعن مواكبة المستجدات، وفي الغالب تكون الرسالة الموجهة إلى النظام التعليمي هي الحفاظ على الوضع القائم وعدم أخذ أية مبادرات غير مأمونة النتائج، بل ولا يتم مساءلة التربويين إلا في حالة خروجهم بالتعليم عن الوضع السائد المألوف الذي حددته بدقة قوى مجتمعية متنفذة في ظل غياب رؤية وطنية مستقبلية تغزز دور التعليم في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة، في مثل تلك الظروف يصبح التعليم في الدول المتخلفة خاضعاً وتابعاً لقوى مجتمعية محددة تجعله يحافظ على الوضع المتخلف القائم، بل ويعيد إنتاجه.