ثامر بن فهد السعيد
منذ شهر يوليو 2014 شهدت أسعار النفط تراجعات كبيرة أدت إلى انخفاض سعر برميل النفط بنسب تجاوزت 50% في كلا السوقين برنت وهو ممثل النفط الأوروبي ونفط غرب تكساس وهو ما يمثل النفط الأمريكي. من المعلوم أن الاقتصاد السعودي ما زال يعتمد على النفط كسلعة رئيسة محركة للاقتصاد ومما لا شك فيه أن السنوات التي سبقت هذا التراجع مكنت المملكة من تكوين احتياطيات
نقدية عززت من موقفها المالي وقدرتها على مواجهة الأزمات ولا شك أيضا أن لسياسة التحفظ التي تتبعها الدولة وقياداتها المالية كان لها الأثر في تجاوز الأزمات وأكثرها خطراً الأزمة المالية العالمية التي عصفت في اقتصاديات العديد من الدول.
ساهم الشعور بتفادي الأزمة والحماية بسبب اتباع سياسات التحفظ المالي إلى التأخر في التحول إلى قرارات أكثر جرأة مما أضاع استغلال فرص لاستثمار هذه الاحتياطيات النقدية الكبيرة بما ينعكس على البلاد بالشقين السياسي والاقتصادي كون تلك الفترة كان إنقاذ الاقتصاديات هو الأهم فأضعنا الفرصتين ويتفق مع هذا الطرح دراسة نشرتها جامعة هارفارد عن الفروقات في قيمة الاحتياطيات لو أن واضعي السياسة المالية كانوا أكثر جراءة مما كانوا عليه، وبطبعية الحال لا يمكن أخذ هذه الدراسة على محمل محايد تماما كون أن أحد معديها كان طرفاً في صناعة القرار. إلا أننا لا نغفل حقيقة ما طرح وفوات فرص استثمارية جيدة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية.
ما سبق كان كله في ظروف ماضية استثنائية قد لا تتكرر في المنظور القريب إلا أن من حق البلاد على من يديروا الفوائض النقدية هذه أن يعيدوا بناء إستراتيجيات الاستثمار السيادي بما يحقق المكاسب السيادية والسياسية للبلاد والاقتصادية كذلك فالاستثمارات السيادية أثرها وتأثيرها على السياسة والاقتصاد. فمن المأمول من المجلس التنموي الاقتصادي أن يعجل الخطوات في تأسيس هيئة استثمارية حديثه تتيح إدارة الاستثمارات السيادية للبلاد بإستراتيجيات توائم التطور الاقتصادي العالمي والمعطيات الجديدة تماشيا مع القرار الملكي السابق الذي أعاد كل صندوق حكومي إلى جهته فالأولى أن تكون للبلاد هيئة استثمارية تعمل على إدارة ثروات وفوائض البلاد.
اليوم بعد أن مضت الظروف الاقتصادية الصعبة التي عصفت بالاقتصاد العالمي دعونا نعود إلى بلادنا وانعكاس أثر تراجع أسعار النفط على اقتصاد البلاد وإيراداته فمن المعلوم أن هذا الانخفاض في الأسعار بمتوسطه خلال العام الجاري قد يحدث انخفاضا في الإيرادات الحكومية يتراوح بين 30-35% عما كانت عليه إلا أن الحركة التنموية للبلاد والنمو الاقتصادي والأثر المكتسب من السنوات الماضية لا يمكن أن يسمح لنا بالتهاون أو التراخي في إحداث هذا التغيير النوعي والتنموي الكبير والذي يتماشى مع الرؤيا الملكية بدلالة كل التغييرات الإيجابية التي شهدتها البلاد في فترة وجيزة لم تتجاوز 100 يوم, أصبح من المطلوب اليوم أن تتجه المملكة في تمويل مشاريعها الحكومية والتنموية إلى إشراك المجتمع الاستثماري والشركات الاستثمارية ليكونوا طرفاً في التنمية وذراعا لتمويل المشاريع التنموية, احتياجنا اليوم إلى اعتماد أدوات الدين بدلا من استهلاك احتياطياتنا المالية التي تعزز المكانة الاقتصادية للبلاد مهمة جداً خصوصا مع انخفاض الدين العام إلى رقم قياسي يقدر بـ44,3 مليار ريال وهو ما يمثل 2% تقريبا من الحجم اقتصاد البلاد وبالإضافة إلى اعتماد أدوات الدين في التمويل التنموي فإن أيضا للمجتمع الاستثماري دور يساهم فيه في التنمية والمشاريع التنموية إذا ما تم اعتماد نظام بناء, إدارة, نقل حيث تعتمد العديد من الدول هذا النموذج منها تايوان, الهند, اليابان, ماليزيا, كندا, أستراليا وأخيراً الصين حيث انطلق منها نظام BOT في العام 1979م انطلاقا من بناء فندق, الاستثمار بهذا الشكل وبهذه الطريقة سيتيح للمستثمرين الاستفادة من النمو الكبير في البلاد والحاجة للبنية التحتية وأيضاً سيضمن للبلاد عودة كل تلك البنى التحتية والمشاريع لها بعد انقضاء المدد المنصوص عليها في هذه العقود ولا شك أيضا سيتيح هذا للمؤسسات المالية إطلاق صناديق استثمارية وتكتلات مالية تساهم وتشارك في المشاريع والتنمية.