زكية إبراهيم الحجي
عندما تكون الذرائع غير كافية فإنّ اللجوء إلى صناعتها هي من الآليات المعتمدة.. سواء في مجال الصفقات السياسية الكبرى، أو في حال إشعال نار التوترات العرقية والطائفية أو التدخلات العدوانية العابثة بالأمن والاستقرار داخل أي دولة من الدول.. وهذه هي لعبة الإسكات والتضليل.
الكذب الذي هو قديم قدم البشرية ذاتها، يصبح خطيراً عندما يكون معجوناً بأهواء الساسة الذين يملكون قرار الحرب، خاصة عندما يجلس هؤلاء تحت مظلة السيد الأوحد للعالم «أمريكا»، التي تملك خيالاً خصباً يمكنها من الكذب والخداع بمهارة وكل سهولة، ليس فقط في سياستها الخارجية بل في سياستها الداخلية ومع شعبها.. الكذب لديها حجة لإضفاء صفة المشروعية على ما تقوم به.. والنزعة التبريرية سمة مميزة ملازمة لكل استثناء أمريكي.. وهذا ليس غريباً فأكثر ما يحمل اللاهوت السياسي الأمريكي على الغبطة.. حين يجد من مأثورات الحداثة ما يبرر له أفعاله ويضفي عليها صفة المشروعية.. لذا لم تتردد من استعارة بعض من موروثات الحرب العالمية الثانية ما ساعدها كثيراً على إنجاز جزء كبير من مهمتها.. فعندما تراهن أمريكا على الخداع والتزييف والتلفيق في الثقافة السياسية.. فإنها تبني هذه المراهنة على إرث خلفه المشهود لهم بصولات المداهنة والمراوغة عبر التاريخ.. وليس أدل على ذلك من حكايا متقنة بتلفيق الحجج والذرائع للتدخل بالقوة في الدول، سوى ما ذكره رونالد رامسيفلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في تبريراته لغزو العراق.. تبريرات امتزج فيها كذب السياسة بالحقائق، متذكراً بذلك الكلمة المأثورة الشهيرة «لتشرشل» رئيس وزراء بريطانيا عام 1940، حيث قال: إنّ الحقائق الاستراتيجية تحتاج في كثير من الأحيان لأن تكون محمية من جانب حرس من الأكاذيب.
وسط سحابات الأكاذيب تغيب الحقيقة، وتحت غيوم الأباطيل يكون الانزلاق في الوحل طبيعياً، فلا تبقى ثوابت ولا تستقر بديهيات.. وليس مهماً توصيف التهم إنما المهارة في إشهار السلاح أياً كان نوعه.. والزمن اليوم هو زمن أمريكي في قلب عولمة متطلبات التبرير بأساليب الكذب المدرجة ضمن استمرار هيمنتها.
في أبراجهم العاجية تحسبهم شعوب العالم شموخاً ورمزاً وقرارات صائبة، بينما الواقع يشهد لهم خلاف ذلك.. فالأقنعة التي تخفي وراءها الحقائق مهما تساقطت يبقى قبح ظلالها واضحاً على وجوههم.. بل إنّ الكثير من مؤرّخي أمريكا يرى أنّ أعظم الرؤساء الأمريكيين كانوا من أكبر الكاذبين، وأنّ تبريراتهم وحججهم كانت عاملاً في أبرز إنجازاتهم، وهذا ما أشار إليه «يورافيك» رئيس الموظفين بالكونغرس الأمريكي ومؤلف كتاب «كذب وخداع وغثاء»، حيث ذكر {أي من الرؤساء لم يكذب مرة واحدة فحسب.. بل كان بحاجة للكذب ليكون مؤثراً}.
ولعل أكبر كذبة في التاريخ الأمريكي أشار إليها الكاتب هي»فضيحة ووترجيت»، الكذبة الكبرى للرئيس الأمريكي نيكسون التي حاول من خلالها التأكيد على أنه لم يكن يعرف شيئاً عن التصنت على منافسي حزبه بالحزب الديمقراطي، ثم تأكد فيما بعد أنه يكذب، ورغم ذلك ظل يصرخ بأنه ليس كاذباً لكن الأمر انتهى بإثبات التهمة عليه.