زكية إبراهيم الحجي
ترى هل العدالة الحقيقية هي تلك التي تكمن في تقديم الحقوق على الواجبات.. أم هي تلك التي تسبق فيها الواجبات الحقوق..الكثير سيختلف.. والكثير سيقول وبملء فمه مؤكداً على الحقوق.. والنزر القليل ستقف بحياد عند الحد الفاصل بين الحقوق والواجبات أما أولئك الذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليد
فإنهم لا يؤمنون بنيل الحقوق من غير واجبات وأن صاحب الحق لا يصل إلى حقوقه إلا بالواجبات التي يبذلها وليس بعطاء الآخرين لذا فهم يرون أهمية وجود وثيقة لواجبات الإنسان كما هو الحال لوثيقة حقوق الإنسان وعلى ضوئها يُمنح كل ما يستحق من حقوق.
عندما أتأمل الحقيقة التي تنطوي على الإرادة الفاعلة الداعية إلى تجاوز فلسفة الحقوق إلى حكمة الواجب أجد أننا نفتقد الدعوة إلى تربية إنسانية تؤدي إلى تحقيق الحقوق عبر الواجبات.. فعندما نفكر في واجباتنا نجد حالة تقصير في أنفسنا نحو تحقيقها بينما عندما نفكر في حقوقنا نجد أنفسنا في حالة إلحاح لا يتوقف من المطالبة.. تأمل معي أيها القارئ الكريم هذه المقولة «للمهاتما غاندي» وهي بحق من أروع المقولات التي سُجلت في كتب تاريخ البشرية حيث يقول: المصدر الحقيقي لكل الحقوق هو الواجب.. فإذا قام كل منا بواجبه فإن الحقوق سوف تتوطد من تلقاء ذاتها لذا فالعمل هو الواجب.. والحقوق هي الثمار التي نحصدها.
ومنذ فجر التاريخ واهتمام الفلاسفة خاصة فلاسفة القانون منصب حول قوانين الحقوق دون الواجبات فهم يقرون ومن وجهة نظرهم بأن العدالة تقتضي أن تتقدم الحقوق على الواجبات.. فتاريخ حقوق الإنسان وكما يشيرون في كتبهم الفلسفية مرتبط بالقانون الطبيعي للإنسان الذي يجعل من الحقوق مُقدْمَة على الواجبات كون الحقوق هي معطيات طبيعية.. وقد استمر هذا الاهتمام حتى عصرنا الحالي حيث نجد أن المنظمة الدولية لحقوق الإنسان وهي المنظمة المتأثرة بفلاسفة القانون أقرت الحقوق وتجاهلت الواجبات..فلماذا يتبنى الإنسان فلسفة الحق فقط ويتغاضى عن حكمة الواجب رغم أن حكمة الواجب أكثر صدقاً من فلسفة الحق..أليس الواجبات مبادئ تتصل بالعطاء.. الخدمة والتضحية..أليست العظمة والسمو تكمن في الإنسان الذي يعطي أكثر مما يأخذ؟
صحيح أننا لا يمكن أن ننكر بأي شكل من الأشكال أهمية دعاوى المطالبة بالحقوق الإنسانية.. لكن التناسب بين الحقوق والواجبات هي المعيار الذي يكفل تحقيق العدالة.. والتكافؤ بين الحقوق والواجبات هو العدل بعينه.. ونحن عندما نفكر بالحق الذي يطالبنا به الغير فإننا نتصور هذا الحق في عقولنا ووجداننا وكأنه ناموس منحوت فيها.. وهذا التصور هو مسلمة بديهية تدفعنا إلى تأدية الواجب الذي هو حق يفرضه علينا الضمير الإنساني والوجود الاجتماعي.. لذا فكل واجب يؤديه الإنسان ستكون ثمرته حقوقاً وهذا هو معيار التوازن..والعبرة هي إحداث نوع من الاتزان المعقول بين ما يقوم به الفرد من واجبات وبين ما يتمتع به من حقوق.. وأن حقوق الأفراد هي نتيجة لواجبات الآخرين نحوهم.