علي الصحن
تحيط الأزمات المالية بمعظم الأندية إحاطة السوار بالمعصم، وتكبل هذه الأزمات وما تخلفه من مشاكل معظم الجهود وتحد من النجاحات، وتقلل من فرص الإبداع، كما أنها تخلق أعذاراً جاهزة لأي إدارة عجزت عن تحقيق شيء، علماً بأن العمل الإداري وطريقته في هذه الأندية هو سبب هذه الأزمات وتراكم الديون في غالب الأمر، ومن يدري فربما يأتي اليوم الذي تكون فيه سبباً في عزوف المتطوعين عن إدارة هذه الأندية، لأن إدارياً متطوعاً مهما بلغت قدراته الإدارية وطموحاته المستقبلية وعشقه لناديه لا يمكن أن يقبل على رئاسة ناد مكبل بالديون ليجد نفسه بدلاً من العمل لقابل الأيام يسعى لحل مشاكل ماضيها!!.
المشكلة في معظم الأندية أن الإيرادات شحيحة، والإدارات في الغالب لم تقصر في الشكوى من ذلك، لكنها في المقابل تصرف وكأنها تغرف من بحر لا ساحل له، والمشجع المسكين يصفق للعمل وللصرف والتعاقدات، وهو لا يدري أي نوع من الويلات سيقابل ناديه في المستقبل، وأي تراجع سيشهده بعد طفرة الحاضر التي لم تقم أساسا، ولم يوضع أمامها سياج متين، ولا عمل حقيقي كاف لحمايتها وضمان استقرارها وديمومتها!!.
السياسة المالية في الأندية لا تعتمد على تنويع مصادر الدخل ولا تذهب إلى البحث عن موارد إضافية، ولولا باب الاستثمار الذي طرقه بعضها دون أن يسد كل الحاجة لكانت في خبر كان، والأندية والقائمون عليها وشرفيوها يدركون أن معظم مصادر الدخل الحالي مصادر ناضبة ستجف يوماً ما لكنها لم تعمل على مواجهة ذلك اليوم، وما زالت تهرب من واقع منتظر بسياسة لعل وعسى وأنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب!!.
عندما يتحدث الشارع الرياضي مثلاً عن ديون ناد بحجم وجماهيرية وتاريخ نادي الهلال، وتظهر أرقام مهولة مسجلة كديون على النادي، فماذا يمكن القول عن أندية أخرى لم تشهد الحراك الاستثماري الذي شهده الهلال الصيف الماضي، وعندما يقال أن نادي الهلال مديون، فإن السؤال يأتي مباشرة.. وماذا عن الاستثمارات الإيرادات؟؟ وكم تبلغ... وكم يبلغ العجز في ميزانية النادي (هل هناك موازنة تقديرية في بداية العام وميزانية فعلية في نهايته؟؟)!!.
غني عن القول: إن إدارة نادي الهلال المستقيلة بذلت جهدها وحاولت قدر المستطاع ان تحقق شيئاً يذكر للنادي، لكن ليس لكل مجتهد نصيب في النهاية!! فلا النتائج داخل الميدان تذكر، ولا القوائم المالية جاءت حسب التطلعات، لذا جاءت أرقام الديون كصداع مؤرق وإن حاول بعضهم تهوين الأمر والبحث عن مخارج له!!.
العمل المالي في الأندية بحاجة إلى مراجعة دقيقة والأمل أن تتدخل الجهة المختصة لسن قوانين صارمة ملزمة للإدارة المالية في الأندية، هذه الإدارة ليست مجرد اسم مدرج في الهيكل التنظيمي، وليست مجرد ترف، بينما تدار الأمور بالطريقة (ورد واصرف) فقط!! العمل المالي لابد أن يتم بشكل منظم وبسياسات وأطر واضحة، وتحت إشراف مكاتب محاسبية قانونية معتمدة تمارس دورها بكل حيادية ومهنية لتقديم قوائم مالية واضحة تحدد كل مصادر الإيرادات وأوجه الصرف.
التنظيم المالي في الأندية وفي ظل المعطيات الحالية من فتح باب الاستثمار وتنوع مصادر الدخل (جماهير – نقل تلفزيوني - مكافآت مختلفة- إعانات حكومية - هبات شرفية ) بحاجة إلى تنظيم فعلي يغلق باب الاجتهاد ويظهر أهمية الإدارة المالية في الأندية ويخفض الازدواجية والتداخل بين القرارات الإدارية المختلفة، ويفرض رقابة مالية فعالة على الإيرادات والمصروفات وقياس الأداء المالي في النادي والمساهمة في تحديد الأهداف قصيرة وبعيدة المدى فيها!!.
لن أكون متفائلا أكثر من اللازم وأطالب بوجود إدارات للمراجعة الداخلية في الأندية وإدارات معنية بالجودة وقياسها مع أنها إدارات هامة في كل هيكل تنظيمي ولا تكاد تخلو منهما منشأة تبحث عن النجاح وتعمل وفق سياسات إدارية علمية واضحة، وأترك ذلك للمستقبل بانتظار الخصخصة التي نسمع عنها منذ سنوات ولم نشاهدها كواقع حتى اليوم.. وكل ما نأمله هو تحقيق الحد الأدنى فقط من متطلبات التنظيم المالي والإداري لعله يسهم في حل جزء من مشاكل الأندية المالية.
عودة على مشاكل الأندية المالية.. أقول: إن من أبرز أسباب نشوء هذه المشاكل هو الصرف بشكل يفوق الإيرادات بشكل مهول، والصرف على أوجه لا تستحق إما لسوء تدبير أو بحث عن صيت مؤقت... مثل تجديد عقد لاعب بمبلغ يفوق إمكانياته الفنية، أو التعاقد مع لاعب قد لا يحتاجه الفريق أو جاء عن طريق سمسار بمبالغ باهظه، أولاعب معطوب يقبض ويتعالج ويغادر!! أو المبالغة في بنود المكافآت والرواتب ونحوها، وهي أشياء، كان يمكنها تفاديها لو وجدت إدارات ولجان متخصصة ولم يترك القرار بيد شخص أو ثلاثة!!.
تعالج معظم الأندية مشاكلها المالية إما بقروض تزيد الهم هماً أو عن طريق هبات الرئيس وبعض الشرفيين، وهي مصادر غير عملية.. القروض ستشد من وطأتها بتراكم الفوائد، والرئيس وفريقه يغادرون وربما يأتي اليوم الذي لا تجد فيه الأندية من يدفع لها كما يحدث اليوم... وحتى يأتي ذلك الواقع سيظل الباب مشرعاً للسؤال: متى تأتي الخصخصة، والسؤال يجر سؤالاً: وهل ستحل الخصخصة هذه المشاكل.......... لست متفائلاً!!.