د. خيرية السقاف
مفارقات المرآة مدهشة..
في المزاد خاتم من الألماس الوردي، وآخر من ياقوتة اورماتية يباعا بملايين الدولارات..
وفي موقع آخر تضرب لوحة تشكيلية رقما مذهلا يتجاوز المليارين منها..!!
وفي حين الأثرياء يتنافسون في المزادات يستعرضون قواهم المالية، وقدراتهم الشرائية الخارقة..، هناك منهم من يقتني الطائرات المذهبة، بمقاعد الجلد الوثيرة، وبسرعة الصوت المذهلة،..
فيما ينفق الفقير لشريحة خبز تؤود جوعه الحارق، تحفظ ماء وجهه، ولا يستطيع أن يزيد ليكسو أطرافه بنسيج ولو من القش..!،
وبينهما صور، وصور، وواقع، وآخر، تتفاوت فيها الألوان، والهيئات، والوجوه، والتفاصيل، والخيبات،..
كذلك الدهشات، والأحزان، والشدو، والأنين، والصفو، والكدر..!!
مفارقات المرآة حارقة، صادمة..،
مدهشة..،، مبكية..، مؤلمة،..وموحشة متعبة..!
لكنه الزمن..
زمنهم الذي يسمونه بالحضاري..!!..
أهو كذلك وتتعالى فيه شهقات القتلى الأبرياء، وتختنق فيه أنفاس المكلومين البؤساء، وتصك فيه أطراف الخائفين التعساء، وتنبجس فيه تأوهات المفجوعين الفاقدين،..تضمر فيه خاصرات الجياع، وتفتك فيه أجساد المبوئين..؟..، وتتخبط فيه رؤى الأذهان المشوشة، والعقول المختلطة،..؟!
زمن الأنانية الضاربة جذورها في عصب الإنسان، الموغلة فيه ترديات القيم وفراغ المواقف من وعي الجنان..!
في الأركان الأخرى للمرآة الناس تعيش، تبني الدور الاسمنتية مخازن النظر، السجون للعيون..، مقابر النبات..، والعصفور..، والهواء..!
والناس تمتلك السفن، والمراكب، والعربات، والأعشاش، والإبل، والجياد، وكذلك القطط، والكلاب، والعصافير..
يرفهون عن أنفسهم، ويمتعون بمعاشهم..، كلٌ بما يستطيع، وكلٌ بما يدرك، ويعي..
فيهم الموثر، وفيهم من به خصاصة،
منهم من يمشي حافيا توخز كف قدمه لسعات الحرارة، وبقايا المستهترين..!
وفيهم من تظلله عرائش ماله...راكبا أو راجلا..
مفارقات...
في التفاصيل المتناثرة في المرآة..
تكتظ جهات الأرض بالصراعات، حروب الآلة الظاهرة، وحروب البواطن الخفية..
وكلام كثير..، كثير، تجري به الصحف، والفضاء، والماء، والطرقات فوق الثرى..
كثير كثير..، يملأ الدنيا ضجيجا،..
وشجون، وشؤون، جُلُّها يحرق، وكثيرها يميت، وقليلها يُمرِض، ونادرها يومض
تصطخب بها صدور الناس.. فيما لا تعكسه المرآة لكنها تبلغ عنه..!!