فاطمة العتيبي
من الأمور المهمة التي يدرك المخططون الإستراتيجيون والعاملون في حوكمة التعليم أن المناهج العامة للدولة لا ينبغي أن تخضع للخصخصة، فلا يمكن أن تطرح مستقبل جيلك القادم في مناقصات لا تعلم هل تنفذ أم لا؟ هل يلتزم المنفذ بالمعايير أم لا؟
هل تخلو من دس السم في العسل أم لا؟ وهل تعمل لجان الإجازة والتدقيق بالشكل المطلوب أم لا؟ وهل يمتلك فريق تدقيق إجازة المناهج ثقافة شمولية تمكنهم من قراءة ما وراء السطور وتحليل الصور المختارة؟ أم لا؟
المناهج هي هوية الجيل ومستقبل الوطن، وتصميمها أمر في غاية الخطورة، وقد رأينا مخرجات المراحل الماضية، والارتجال الذي مرّت فيه خططها، عدا أن الرياضيات والعلوم وجدت في السنوات الأخيرة بدايات مبشّرة.
فإذا كان المبنى المدرسي المملوك للدولة هو بنية تحتية وتنمية مستدامة باقية مهما تغيّرت موارد البلاد أو تغيّرت ظروفها السياسية والاقتصادية فإن المناهج تحتل المرتبة الثانية في أهمية إشراف الدولة عليها وبقائها في حرزها الأمين حرصاً على هوية الأجيال القادمة، إلى أن يصل الطالب الثامنة عشرة من عمره يلزم أن يتمأسس على هويته الوطنية المعاصرة القادرة على التواصل مع مختلف الثقافات والاستفادة منها.
الرؤية التي تنطلق منها مناهجنا يلزم أن تركز على ماذا نريد لهذا الجيل بعد عشرين سنة؟
أين سيكون؟ وكيف يفكر ويعبّر عن نفسه؟ وكيف يتحدث ويتواصل مع العالم؟ وماذا سيلبس؟ وماذا سيأكل؟ وماذا سيعمل؟ وأين سيعمل؟ وكيف ستدور عجلة الاقتصاد والاستقرار في الوطن.
يتطلب الأمر أولاً أن نؤمن أن شراكة القطاع الخاص يلزم أن تكون محدودة مرتبطة بالخدمات ذلك أن التعليم لا تطرحه ولا تخوض الدول الكبرى مخاطرة تخصيصه ذلك أنه سيتفلت منها تفلّت الإبل من عقلها وهو أمر خطير ولا يحقق للمواطنين فرصاً متساوية في التأهيل مما يضاعف مشكلات أخرى مثل الفقر والبطالة والجريمة..
ففرص التعليم الجيدة والتي عمادها مبنى مدرسي متكامل مملوك للدولة ومناهج حديثة تعد وتطبخ وتصمم في ردهات الحكومة سماتها أنها تعلم وتحفز على التعلّم والتفكير الناقد والإبداع، وتحفظ الهوية الدينية والوطنية وتكسب للطلاب لغة العصر من المراحل الأولية، لتساعدهم في اكتشاف ما يميلون إليه، وما يساعد على تنمية مواهبهم ورعايتها إلى أن تصبح قيمة مضافة تسهم في دورة الاقتصاد المعرفي الوطني. مما يحقق رفاهية لعموم المواطنين ولا ينفرد بفرص التعليم الجيدة أبناء القادرين ويخسرها أبناء غير القادرين.
التعليم مثل الجنسية فإذا كان كل المواطنين يحصلون على هوية وطنية بمواصفات واحدة فإن التعليم هو الآخر يلزم أن يحقق فرصاً متساوية لعموم المواطنين.
وأقترح أن تعمل وزارة التعليم وهي الجهة المعنية بتصميم المناهج ووضع معاييرها ألا يقتصر الأمر على تأليف المناهج الذي يلزم أن يشارك فيه نخبة من أساتذة الجامعات الوطنيين الذين يؤمنون بأن الوطن للجميع.
بل يمتد الأمر إلى طباعة المناهج التي من الأولى أن تتولاها وزارة التعليم ويكون لديها مطابع تملكها لتتحكم تماماً بطباعة المناهج حتى تتقي الثغرات والفجوات التي وضعتها في أكثر من موقف حرج خلال الأعوام الماضية.
نثق بقدرات فريق الوزارة الجديد وحماسهم، وفّقهم الله.