د. جاسر الحربش
في جلسة نقاش تردد سؤال محبط: لماذا يستطيع أتباع الحوثي وصالح البقاء حتى الآن في عدن ولحج وشبوة وتعز والضالع، إلى آخره، إن لم تكن لهم شعبية تمكنهم من ذلك؟ توجيه السؤال بهذه الطريقة يحمل بحد ذاته عدم معرفة بجهنمية التمويل والتجنيد والتسليح السائدة في اليمن منذ ثلاثة عقود، وفهم ما تفعله التعبئة المذهبية في عقول السذج والغوغاء. السؤال يكون في محله لو جاء بهذه الطريقة: مع كل المعروف عن التمكين التمويلي والتسليحي والتدريبي للحوثي وصالح كيف أمكن أن تنهض وتنتشر ضدهم مقاومة الشعب اليمني في كل مكان؟ ولماذا نرى الشعب يتصدى لهم في الطرق والمدن والأحياء رغم قلة الإمكانيات؟ وسؤال آخر: لماذا يغادر اليمن كل من استطاع التسلل من وجهاء الأحزاب السياسية والقبائل والمذاهب إلى السعودية ليلتقوا ويصطفوا جنباً إلى جنب؟ ولماذا تلتحق بهم غالبية المعارضين الذين هربوا إلى المنافي قبل سنوات خوفاً من الاغتيالات والتصفيات؟
قبل عاصفة الحزم كان الشعب اليمني ببساطة منهوباً ومنهكاً ومسلوب الإرادة بعد ثورة استمرت أربع سنوات ضد حكم علي صالح. الثورة سرقها فيما بعد الحوثيون بتحالفهم مع المخلوع، للانخراط في مشروع إمبراطوري إيراني أكبر من الحوثي وصالح ومن كل التحالفات الانتهازية الساذجة. استطاع الإيراني استغفالهم بالنفخ في أجداثهم القديمة، واجتذب قادتهم بالأسلحة والأموال، وأطمعهم بتوريث أصلابهم جيلاً بعد جيل لحكم إمامي يمني أبدي، لا هو زيدي ولا شافعي، وإنما جارودي أقرب ما يكون إلى المسخ الملتصق بولاية الفقيه وحكم الإمامة.
نعم، بالتأكيد ما زال للحوثيين ومليشيات صالح وجود في أكثر الأماكن الحساسة في اليمن، ولكن في مواجهة مقاومة شعبية شاملة، تنمو وتقوى يوماً بعد يوم، رغم الفارق الهائل في إمكانيات التسلح والإمداد والتواصل. هذا الفارق النوعي لصالح المتمردين على الشرعية كان النتيجة المتوقعة لما خطط له صالح والحوثي المتحالفان منذ سنوات.
الوضع قبل عاصفة الحزم كان هكذا: في الشطر الجنوبي من اليمن (لحج وأبين والضالع وعدن وشبوة والمكلا وكامل حضرموت) كانت الثكنات بكاملها في يد ضباط وجنود من الشطر الشمالي، وتحديداً من أتباع الرئيس المخلوع. وكل القيادات في هذه الثكنات من أبناء منطقة سنحان مسقط رأس علي عبدالله صالح. لم يكن لأبناء اليمن الجنوبي وجود يذكر في جميع المراكز العسكرية والأمنية على أراضيهم وفي مدنهم وشوارعهم. الوضع نفسه كان مطبقاً في الشطر الشمالي في اليمن. كانت المناطق والمدن المعروفة بمعارضتها التقليدية لحكم صالح تحكم بمراكز أمنية وعسكرية من نفس التركيبة التي أوجدها صالح في اليمن الجنوبي. بعد خلع صالح من الرئاسة تعاون مع الحوثيين للانطلاق من صعدة، واكتساح المدن والقرى في الطريق، وتفريغ المخازن من الأسلحة، ثم نقلها إلى مخازن المناطق الخاضعة تقليدياً للحوثي وصالح. بسهولة تساقطت المعسكرات كالفراش المبثوث بحيث تمكَّن تحالف الشيطان من دخول صنعاء، واحتلال القصر الجمهوري والبنوك ودوائر الدولة، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي المنتخب شرعياً ورئيس وزرائه، وتسريح الطاقم الوزاري بكامله، ونهب بيوت وقصور ومتاجر المعارضين السياسيين واغتيال الكثيرين منهم. الواقع يقول إن المقاومة التي اجترحها الشعب اليمني ضد التحالف المذهبي العسكري كانت معجزة أشبه بحفر الصخر بالأظافر. كان الشعب اليمني مجهداً ومجرداً بالكامل من كل إمكانيات المقاومة المسلحة والمعيشية والتموينية، وكان كل شيء تحت سيطرة صالح والحوثي.
لهذا السبب يتوقع أن تطول الحرب بين المتمردين على الشرعية والمقاومة الشعبية، مع وجود دلالات واضحة على بدايات انكسار واستسلام تدريجي للمليشيات يوماً بعد يوم. المقاتلون على الأرض هم أبناء اليمن، وليس هناك وجود على الأرض لعاصفة الحزم؛ لأنها لم تخطط للتدخل الأرضي، وإنما أرادت إعطاء فرصة لأبناء اليمن أنفسهم للتخلص من الطغاة.
المتابع اليومي للأحداث يلاحظ أن أهل اليمن من سكان المدن يحاربون ببسالة منقطعة النظير بأسلحة بدائية، هي كل ما توافر لهم، لكن المستغرب هو تأخر المشاركة الفعالة للقبائل في القتال ضد الحوثيين ومليشيات صالح، ولو أنها بدأت في المشاركة مؤخراً.. وأن تشارك القبائل في المقاومة متأخرة قليلاً أفضل من أن تتأخر كثيراً أو أن لا تشارك على الإطلاق.
إرادة الشعب اليمني سوف تنتصر على المتمردين على الشرعية كما هو المتوقع عبر التاريخ.