محمد آل الشيخ
أعلنت المملكة على لسان وزير الخارجية (هدنة) في اليمن تبدأ اليوم الثلاثاء، بين دول التحالف العربي من جهة ومن الجهة الأخرى المتمردون الحوثيون وقوات المخلوع، تقوم خلالها الهيئات الإغاثية والإنسانية بإنقاذ المتضررين من الحرب وإمدادهم بالغذاء والدواء ومتطلبات الحياة الضرورية، لمدة خمسة أيام، قابلة للتمديد، إذا التزم المتمردون على الشرعية بشروطها. وحتى كتابة هذا المقال لم يعلن الحوثيون عن قبولها، لكنهم لو قبلوها علنا، فلن يدَعوا هذه الهدنة تمر دون منغصات، وسيمارسون كل ما من شأنه الالتفاف عليها وعلى شروطها، وتحويلها عن أهدافها الإنسانية، لتضطر المملكة ودول التحالف العربي إلى كبح ممارساتهم من جديد، والعودة إلى القصف مرة أخرى. هذا ما أتوقعه، وما تشير إليه تصرفاتهم وممارساتهم السابقة والحالية، وآخرها قصف نجران؛ فالهدنة، والجنوح إلى السلم، تعني في المحصلة أن يتحرر اليمنيون المدنيون من أن يكونوا لهم دروعا بشرية، يتّقون بها تلك الحمم القادمة إليهم من السماء، ومن قواتنا البرية على الحدود. وهذا ما يدركه القادة السعوديون جيدا، غير أنهم بعرض هذه الهدنة، سيكشفون للعالم أجمع، خاصة من يُلحّون لإنهاء الحرب، أن المتمردين هم من يحاول استغلال الهدنة لتقوية مواقفهم لا نحن، لأن نهاية الحرب تعني بالضرورة أن عبدالملك الحوثي ومعه المخلوع صالح وولده، سيُساقون للمحكمة الدولية، فيما لو عَمَّ السلام والأمن أرجاء اليمن، وعادت الشرعية، وانتهت الحرب.
وعلى أية حال فالهدنة لن تُغير من الواقع على الأرض شيئا، ولن يتمكن الإيرانيين من إمداد أذنابهم بالسلاح ومستلزمات الحرب، ليقاوموا اللجان الشعبية والقبلية التي انتقضت عليهم، وتكسب عمليا مع مرور الزمن، وبالتالي لن يخرجوا من النفق الذي أدخلوا أنفسهم فيه، حينما اجتاحوا صنعاء، وحاصروا الرئيس الشرعي وحكومته، وحاولوا أن يفرضوا الأمر الواقع تحت أسنة الرماح، ثم انقلب السحر على الساحر، وهاهم، ومعهم أسيادهم الفرس، يبحثون عن مجرد فرصة يلتقطون فيها الأنفاس، عسى ولعل أن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ويفلتون من المأزق الذي سقطوا فيه.
الهدنة ربما تؤخر مصيرهم المحتوم، لكنها بمثابة (حبة البندول)، لا يمكن بها أن تُنقذ المريض المتمكن منه المرض، والمستعصي علاجه، من الموت الزؤام. سقوط الحوثيين والمخلوع وما يهدفون إليه، هي مسألة محسومة، ربما تتأخر، أو يحدث عوارض قد تؤجلها قليلا، غير أن الإفلات من المصير الحتمي الذي ينتظرهم أبعد عليهم من ملامسة نجوم السماء؛ هذا ما يجب أن يتيقنوا منه ويقطعوا به.
ومعركتنا مع الحوثيين والمخلوع هي مجرد معركة، وسنكسبها حتما، لكن الحرب في حقيقتها هي مع الفرس، وأينما كان أذنابهم في كل المنطقة العربية؛ هذا ما يجب أن يعيه جيدا الإيرانيين، ويدركونه تمام الإدراك، فإحكام الحصار على عملائهم في اليمن كل هذا الإحكام المتقن، سيجعلهم عاجزين عن نجدتهم وإنقاذهم، فالحوثيون والمخلوع هم الآن وقواتهم، بعد استهداف طائرات التحالف لمخازنهم من السلاح و الذخيرة والعتاد، هم عمليا يستنزفون قواهم مع كل يوم جديد، وطالما أنهم لا يستطيعون تعويض ما تستنزفه هذه المعارك من الخارج، فمصيرهم الهزيمة؛ سيما وأن مناوئيهم تدعمهم دول التحالف، في حين أنهم معزولون ومحاصرون من كل الجهات.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فهزيمة أذناب الفرس، وحصارهم في اليمن، تزامن معها هزيمة ذنب آخر في سوريا؛ فميليشيات (حزب الله) ومعها جيش الأسد، يبدو أنها دخلت مع المعارضة السورية المسلحة، في معارك لا يعرفون كيف يخرجون منها، وفقدوا فيها الكثير، وأهم ما فقدوه عنصر المبادرة والهجوم بعد خسائرهم الأخيرة؛ خاصة مع (جيش الفتح) المتشكل حديثا من فصائل الثوار على الأسد، الذي جعلهم ينتقلون إلى الدفاع بدلا من الهجوم؛ هذا التغير هو في حد ذاته بمثابة بداية النهاية، ليس للنظام السوري المنهك فحسب، ولا لميليشيا حزب الله أيضا، وإنما لقوة إيران وهيبتها ونفوذها في المنطقة العربية؛ إنها النهاية التي لن يدفعها خطب المهرج الأفاك «حسن نصر الله» في بيروت المحتلة، أو جعجعات الولي الفقيه وملاليه في طهران.
إلى اللقاء