محمد آل الشيخ
لم يمر بالمملكة لحمة بين أبنائها بمختلف أطيافهم الثقافية والفكرية والمذهبية مثلما تمر اليوم، وهم يرون ويسمعون أخبار قادتهم المشرفة، وصقورهم في الجو، وجنودهم على حدود الوطن، وبحّارتهم العسكريين في البحر الأحمر وخليج عدن، وما صنعوه بالحوثيين أذناب الفرس ومعهم المخلوع وميليشياته المتمردون على الشرعية في اليمن؛ فينتشون فخرا وعزة واعتدادا بالوطن والوطنية. هذه الوحدة والتلاحم والتآزر وهذا الشعور الوطني كان بمثابة خط الدفاع الأول للذود عن العرين، والدفاع عنه.
أما خط الدفاع الثاني فقد كان اللحمة والتآزر والتعاضد بين دول الخليج وشعوبها؛ حتى لا تكاد تجد خليجيا واحدا يخرم هذه اللحمة التاريخية، أو يتمرد عليها، اللهم إلا أذناب الفرس، ومن زرعوهم في النسيج الخليجي المتجانس، على أمل أن يؤدوا لهم عند الحاجة، ما يؤديه (الطابور الخامس) لأعداء الوطن.
أحد الخليجيين من سلطنة عمان الشقيقة قال لي تعليقا منه على هذا التلاحم الخليجي : (لأول مرة أشعر بفخر وزهو واعتداد بخليجيتي وأنا اتابع انتصارات الخليجيين على كل المستويات، العسكرية والسياسية والإعلامية وكذلك في المحافل الدولية؛ فقد أصبح الخليج بعد هذه العاصفة ممسكاً بزمام القرار العربي بقوة، وتراجع المترددون الجبناء، ومعهم أصحاب الطبول الفارغة من الكتاب والإعلاميين، إلى مكانهم الطبيعي في الصفوف الخلفية)، وهذا بالفعل ما يشعر به الخليجيون تماماً الآن.
يوم الثلاثاء الماضي، عُقدت في الرياض، برئاسة الملك سلمان، قمة تشاورية بين دول مجلس التعاون؛ أكدوا فيها على لحمتهم واتحادهم وتضامنهم، بعد أن حاول أذناب الفرس الإعلاميين، أن يُشيعوا أن ثمة خلافاً بينهم، ثم ظهر البيان الختامي للقمة، ليس لينفي وينسف هذه الشائعات فحسب، وإنما تطرق البيان أيضا إلى قرار خليجي هام بمساندة المنتفضين على نظام الأسد العميل في سوريا، وطلبوا من المعارضة السورية الاجتماع في الرياض لدعمهم والتنسيق بينهم. واللافت في هذه القمة كان مشاركة الرئيس الفرنسي «أولاند» كضيف شرف فيها. وهي رسالة واضحة ذات مغزى موجهة إلى الرئيس الأمريكي أوباما، الذي يلهث مهرولاً خلف الملالي الفرس، لتوقيع اتفاق نهائي معهم بشأن سلمية المفاعلات النووية الإيرانية، لرفع العقوبات الدولية عنهم. هذه الرسالة تقول بوضوح قبيل أن يجتمع أوباما بقادة الخليج في كامب ديفيد: إن الخليجيين لديهم خيارات أخرى، ولستم أنتم بمفردكم في الساحة؛ وفرنسا كما هي توجهات الفرانكوفونيين دائما، ذات قرار مستقل، وهي قوة عظمى، وعضو دائم يملك حق النقض - (الفيتو) - في مجلس الأمن، وهي أيضا مُصنّعا محوريا ومتفوقا للأسلحة المتطورة، وسيتجه جزءٌ من عقود تسليح دول الخليج ومشترياتهم العسكرية إليها؛ ومثل هذه الرسالة واضحة في مدلولاتها وإلى ماذا تشير؛ وسوف يوظفها الحزب الجمهوري الأمريكي قطعا ضد الديمقراطيين، سيما وأن معركة الرئاسة الأمريكية بين الحزبين الكبيرين على الأبواب، وكل عامل من شأنه أن يُضعف موقف الديمقراطيين الانتخابي أمام الجمهوريين، سيعمل أوباما على تلافيه.
عاصفة الحزم، واللحمة الخليجية القوية، وخسارة النظام السوري ومعه الفرس الإيرانيون، واضطراب أوضاع أذناب الفرس السياسية في العراق، كل هذه العوامل لم تجعل ملالي الفرس في زاوية محاصرة ومحدودة الخيارات فحسب، وإنما حشرت معهم الرئيس أوباما أيضا، الذي اتضح جليا الآن أنه لم يقرأ مجريات وتطورات القوى في المنطقة قراءة معمقة ودقيقة، لا تكتفي بما كان، أو حتى بما هو كائن، وإنما تتجاوزه إلى ما سوف يكون مستقبلا في المنطقة؛ فالمملكة ودول الخليج - كما يقول الواقع اليوم - يسحبون بساط القوة والنفوذ شيئا فشيئا من تحت أقدام ملالي طهران ومن يهرول خلفهم.
إن ما جرى في اليمن، وما يجري فيها الآن، وما تواجهه إيران في سوريا من نكسات ومصاعب، والخسائر المتوالية لنظام الأسد ومعه ميليشيات حزب الله، وتعثر جهود الحكومة الموالية لإيران في العراق أمام عصابات داعش، كل هذه العوامل أكدت للمراقبين أن الرئيس أوباما في رهانه على الإيرانيين، كان مثل من يراهن على حصان أعرج ومنهك القوى ومختنق، في حين أن أحصنة أقوى وبالتالي أجدر بالفوز في السباق دخلت إلى أرض المضمار، ولم يتنبه فخامته!.
إلى اللقاء.