فضل بن سعد البوعينين
لم تكن الحرب يوما هدفا للسعودية المهتمة دوما، بحماية الدول العربية والإسلامية والإسهام في تنميتها. الظروف الاستثنائية في اليمن دفعت قوات التحالف للتدخل العسكري من أجل تحقيق أمنه واستقراره؛ وحماية شعبه من حرب أهلية طاحنة؛ وإعادة الشرعية؛ وتأمين المنطقة من المخاطر المتوقع حدوثها مستقبلا.
من كان السلام ديدنه فلن يتمادى في مواجهات حربية فُرِضَت عليه؛ وهذا ما فعلته قوات التحالف بقيادة السعودية حين أعلنت انتهاء عمليات عاصفة الحزم بعد أن حققت أهدافها الإستراتيجية؛ وبدأت في تدشين عملية «إعادة الأمل»، الموجهة لاستئناف العملية السياسية وإعادة الإعمار.
لم يكن الإعلان عن إيقاف «عاصفة الحزم» مفاجئا؛ فالمؤشرات السياسية والتنموية كانت تشير إلى قرب الإعلان عن وقف العمليات العسكرية بعد أن حققت أهدافها الإستراتيجية؛ وألزمت قادة الحوثيين والرئيس المخلوع على الإقرار الضمني بالهزيمة من خلال محاولة ترتيب خروجهم الآمن من اليمن.
الإعلان عن تقديم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، 274 مليون دولار لتغطية كافة العمليات الإنسانية التي تقوم بها منظمات الأمم المتحدة في اليمن أطلق الرسالة الأولى بقرب نهاية الحرب؛ فلا يمكن أن تضخ تلك المساعدات الضخمة في المناطق الملتهبة. الرسالة الثانية جاءت من المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف الذي كشف عن إنجاز 80% من الأهداف الإستراتيجية . أما الرسالة الأخيرة فأطلقها وزير الخارجية اليمني رياض ياسين خلال زيارته للكويت؛ حين كشف عن وجود «مشروع لإعادة الإعمار والتنمية والبناء في اليمن تحت اسم «مشروع سلمان التطويري لليمن».
«مشروع سلمان التطويري لليمن» سيسهم في إعادة بناء الدولة المدمرة أصلا قبل الحرب؛ وهو أمر سيفتح أبواب التنمية الحديثة للشعب اليمني؛ شريطة عودة الأمن والاستقرار. الوزير ياسين؛ أكد أن «البنية التحتية اليمنية كانت أصلا متهالكة.. غير فعالة...وأن علي عبدالله صالح لم يعمل خلال الثلاثة وثلاثين سنة التي حكم فيها على إنشاء بنية تحتية قوية»؛ وهذا اعتراف رسمي بدمار البنى التحتية قبل الحرب.
تعهد السعودية بتوفير الدعم المالي والسياسي لإنجاح مشروع إعادة الإعمار يحتاج إلى تهيئة الظروف الداخلية في اليمن. أي اتفاق أو تعهد يفرض على الحوثي وصالح وأعوانهم قد لا يكون مثمرا على أرض الواقع بعد خروجهم الآمن. فمن اعتاد الغدر لن يتردد يوما في ممارسته بعد أن يشعر بالأمن والطمأنينة. قد لا يصل تأثيرهم مستقبلا حدا يضر بدول الجوار؛ إلا أنه قد يتسبب في استدامة القلاقل في الداخل؛ ويقود إلى استمرار الفوضى؛ ويحرم اليمن وشعبه من الاستفادة من مشروعات إعادة الإعمار.
أجزم أن المفاوضات السياسية الملتزمة بقرارات مجلس الأمن هي المخرج الأكثر استدامة وأمنا لمشكلات اليمن؛ إلا أن ما يستوجب التنبيه له هو ضرورة أن تكون دول التحالف؛ ممثلة في السعودية؛ جزء أصيل من أي اتفاق مستقبلي بين الأطراف المتنازعة في اليمن؛ لضمان توافقه مع متطلبات أمن واستقرار المنطقة؛ والنأي بها عن التدخلات الإيرانية والغربية الساعية لغرس بذرة الشر بالقرب من الحدود السعودية. إضافة إلى ذلك؛ فـ «مشروع سلمان التطويري لليمن» يفترض أن يركز على المناطق الحدودية داخل العمق اليمني؛ وأن يفرض ضمن شروط اتفاقية إنهاء الحرب تفريغ الشريط الحدودي لضمان إزالة أي تهديد مستقبلي لحدودنا الجنوبية. تأمين الحدود؛ وفق اتفاقيات دولية ملزمة تسمح بإنشاء حرم مفرغ من البناء والسكان على طول الشريط الحدودي يفترض أن يكون من الأهداف الإستراتيجية لدول التحالف. مكاسب الحرب الإستراتيجية يجب ألا تُضيعها الاتفاقيات السياسية القادمة.
عمليات إعادة الإعمار في حاجة ماسة إلى الأمن والاستقرار وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الشعب اليمني ومؤسسات الدولة وفي مقدمها الجيش. تغليب مصلحة اليمن وشعبه وبناء مؤسساته المدنية والأمنية؛ والاحتكام إلى العقل والتوافق السياسي المبني على صناديق الاقتراع ونبذ العنف ستضمن بإذن الله تحقيق أهداف عملية «إعادة الأمل» بعد أن مهدت قوات التحالف من خلال «عاصفة الحزم» طريقها الوعرة.