د. خيرية السقاف
لِمَ تُفْقد المعاني في بعض المواقف فلا تكاد الأذهان تعي دلالاتها وكأن المرء قد أصيبت فجأة ذاكرته, تبدد فيه وعيه, توحَّد بذاته دون هواء ينعشها, أو حس يُوقظها..؟!
ففي أشد المواقف تأزما، وتحديدا حين تكون محكَّاتها قاسية,..
بين حدَّيها يقف فاعل ذو مكانة فيهوي, أو ذو رأي فيسقط, أوذو قرب فينأى, أو ذو ثقة فيخسر, أو ذو عشم فيخيب..،
حينها تهرب المعاني حاسرة عنها نسيج التحامها بكلماتها..!
يجد نفسَه المرءُ إذ ذلك عند هذه الهوة السحيقة، تفصل بينه وبين جادة الحادين المتوازيين، بين الكلمة ومعناها فلا يعد يدرك وجودا للمعاني..، أو حقيقة لمثولها في الواقع..!
فلا الصديق صديقا, ولا الودود قريبا, ولا الوفي حاضرا, ولا الحيادي متجردا, تفقد الصداقة موقفها,..والوفاء إيثاره, والود كنفه، و..كل لفظ في منظومة الجمال يصبح بلا معنى.. يتشوه، ويقبح, ويتلاشى..
لا دلالة للألفاظ, الكلمات عارية من معانيها..!!
ضياع حين تتصادم المشاعر مع واقع التعامل مع ألفاظها..!
كثير من الناس تعيش هذه الصدمات في الآخرين كل يوم..، وأشدها قسوة حين يكون الفاعل هو الألصق بالمرء، والمعتمد عليه، والمسند إليه, والموثوق فيه..
كالابن مع والديه, والجار مع جاره, والعائل مع ابن أخيه، أو ابن اخته, والمرأة أو الرجل مع رفيقه..، أو الصديق مع خليله..
هو ذا حال المعاني مع ألفاظها في مواقف علاقات البر, والإحسان, والتكافل، والمحبة, والمودة, والرحمة في تعامل الأهل, والقربى, والأصدقاء، والأزواج, والإخوة...والأبناء..؟! حين تكون المواقف صادمة، تحير العقول، وتفقد الثقة, وتحرض التيه..
وأولئك القساة فيهم, من يجردون عند أفعالهم كل لفظ ثري من معناه الندي..؟