ناهد باشطح
فاصلة:
«الكتابة هي رسم الصوت»
(فولتير)
ثلاثون عاماً وربما أكثر وأنا أكتب مقالاتي دون أن أتوقف إلا لفترات قصيرة جداً ولأسباب قاهرة.
ثلاثون عاماً وأكثر تلبّستني الكتابة وتلبّستها فلم نعد نفترق.
هذا العمر الطويل في حضرة الكتابة جعل بيني وبينها ألفة لا يعرفها إلا الذي يكتب، كما أنه يتنفس لا يعرف كيف ولكنه إن توقف عن التنفس مات.
لا يمكن أن تعرف ماذا تعني لك الكتابة إلا حين تفقد القدرة على ممارستها، لكن أصعب ما يمكن أن تواجهه ككاتب أن تكون حزيناً، ويحل موعد تسليم مقالتك ثم لا تستطيع أن تكتب..
ليس لشيء إلا لأنك حزين.. لأنك مشتاق إلى أبنائك وبينك وبين احتضانهم وتقبيلهم آلاف الأميال.
كيف يمكن أن تحيّد مثل هذه المشاعر وتلتزم بالكتابة في أي موضوع آخر؟
كيف يمكن أن تكتب للقراء تحادثهم وأنت في حاجة إلى من يسمعك؟
هذا ما أقصده عندما قلت أن تكون في حضرة الكتابة..
كأنها كاميرا تكشف كل ملامح روحك وآهاتك التي تخبئها عن أسماع الآخرين، كأنها قلب الأم التي تشعر بابنها وإن كان على بعد آلاف الأميال عنها.
الكتابة تواجهك بضعفك الإنساني؛ لأنها حالة من الصدق الذي لا يمكن أن يمارس الزيف بأي حال من الأحوال.
الكتابة تغوص فيك إلى أبعد مدى، تحتضن حزنك ثم تطلب منك البكاء في حضرتها، وتمسح دموعك ثم تمضي في سلام.