د. عبد الله المعيلي
في عام 1956 م ترأس بلوم فريقا من المختصين في علم النفس التربوي، من أجل تطوير تصنيف مستويات السلوك العقلي، هذا السلوك الذي لا تخفي أهميته وقيمته التربوية، وتأثيره في عملية التعلم، فلكل صنف من أصناف السلوك العقلي أهميته في المواقف التعليمية كل حسب طبيعة المادة الدراسية، وهذا مما يجب أن يستوعبه المعلمون، لما له من أثر على مخرجات التعلم وأخص بعدها الكيفي الذي لا تخفى أوجه القصور فيه.
وفي عام 1990 م وتحت إشراف لورين أندرسون - أحد طلاب بلوم - قام فريق آخر من المختصين في علم النفس المعرفي، بتحديث هرم بلوم وتطويره، بما يتوافق مع ما استجد في أدبيات التربية وأساليبها.
وقد تمثل تطوير هرم بلوم في أمرين رئيسين:
الأول تغيير صيغ مستويات السلوك العقلي من صيغ الأسماء إلى صيغ الأفعال، مثال (التذكر - يتذكر، التطبيق - يطبق) وليس بخاف أن الاسم في اللغة يدل على لفظ مجرد، بينما الفعل في اللغة يدل على التجدد والاستمرار.
الثاني تمثل في تغيير ترتيب بعض مستويات السلوك العقلي داخل الهرم، حيث احتل (يبتكر) قمة الهرم، بينما كان التقويم يحتل قمة الهرم حسب التصنيف السابق، ومما لا ريب فيه أن إعادة الترتيب تمت بناء على أهمية السلوك العقلي وقيمته في حياة الفرد.
يعد تصنيف بلوم الهرمي للسلوك العقلي المطور المرجع الرئيس في تنظيم عمليات التعلم أثناء الموقف التعليمي، فلكل موضوع من موضوعات المقررات الدراسية أهدافه في تنمية السلوك العقلي للطالب، وبالتالي يلزم كل معلم أن يلم بالفلسفة التربوية لتصنيف بلوم الهرمي المطور، وأن يعرف صيغها، وماذا يعني كل صنف منها، وكيف يوظفها في مواقف التعلم، فكل صنف له أهميته وقيمته التربوية، وهي جميعها متكاملة، فإهمال أي صنف منها يفضي إلى تشويه تكوين السلوك العقلي للطالب، إما بالتعطيل أو إساءة التطبيق، وكلا الحالتين يفضي إلى نقص في بناء الشخصية وقدرتها على التفاعل مع المواقف الحياتية العملية والمساهمة فيها بشكل إيجابي، لذا لا يمكن تجاهل أي واحد منها أو إهماله.
إن استيعاب المعلمين لتصنيف بلوم الهرمي للسلوك العقلي المطور، يعد من أولويات إعدادهم وإعادة تأهيلهم وتدريبهم، فلن يحقق المعلم دوره التربوي والتعليمي ما لم يكن شرحه للدروس مبني على هذا التصنيف وما يقتضيه من تنويع في أساليب التدريس وطرائقه، واستثمار مصادر المعرفة المتنوعة في إثراء خبرات الطلاب وتوسيع مداركهم العقلية بالتطبيقات العملية للمعرفة، وإنتاج معرفة جديدة.
إن الضعف العام الذي تتسم به مخرجات التعليم، والمتمثلة في تدني مستوى تملك الطلاب المهارات القولية والعملية، وفي تملك المعرفة وإنتاجها وتطبيقها، والقدرة على المنافسة في المسابقات الدولية، وأخص الرياضيات والعلوم، كل هذه وغيرها من المؤشرات تدل على أن المواقف التعليمية مازالت في مستوياتها الدنيا من حيث الاهتمام بالسلوك العقلي الذي يفترض أن يحظى من المعلم بالرعاية والإثراء، وأن المعلم مازال يعتمد على اجتهاداته الشخصية في شرح المعلومة وإيصالها إلى أذهان الطلاب، وأن من يفترض أنه يساعد المعلم على تحسين أدائه وتطويره - أعني المشرف التربوي - مازال تنقصه الخبرات والمهارات نفسها، وبالتالي ستظل الحال تراوح مكانها، طالما أن الزيارات الميدانية المتتالية على هذا المنوال، وأن نماذج التقارير الإلكترونية تعبأ مسبقا في المكاتب.
الوضع الراهن لا يليق مقارنة بما تحظى به الوزارة من قيادات تربوية قادرة، وإمكانات مادية وافرة، إنه يحتاج هزة تربوية عنيفة تصحح المسار، لتتحقق مخرجات التعليم المأمول.