د.محمد الشويعر
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدّر فهدى، يخلق ما يشاء ويختار. والصلاة والسلام على نبي الهدى، وسيد ولد آدم، من بعثه ربه رحمة للناس بشيراً ونذيراً، وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحابته الأخيار، ورضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. أما بعد:
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدّر فهدى، يخلق ما يشاء ويختار. والصلاة والسلام على نبي الهدى، وسيد ولد آدم، من بعثه ربه رحمة للناس بشيراً ونذيراً، وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحابته الأخيار، ورضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. أما بعد:
فإن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي صحابيٌ من أهل المدينة. كان سيد الخزرج، وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام، وكان يلقب في الجاهلية بالكامل لمعرفته الكتابة والرمي والسباحة. وقد شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد أُحداً والخندق، وغيرهما. وكان أحد النقباء الاثني عشر. خرج إلى الشام في خلافة عمر، ومات بحوران سنة 14هـ. وكان لسعد وآبائه في الجاهلية أطم «حصن» ينادى عليه: من أحب الشحم واللحم فليأتِ أطم دليم بن حارثة. [الأعلام للزركلي 3: 135].
وقبل إسلامه سمعت قريش صائحاً يصيح ليلاً على جبل أبي قبيس بمكة:
فإن يسلم السعدان يصبح محمدٌ
بمكة لا يخشى خلاف مخالف
فظنت قريش أنه يعني سعد بن زيد مناة بن تميم وسعد هذيم من قضاعة، فسمعوا الليلة الثانية قائلاً يقول:
أيا سعد الأوس كن أنت ناصراً
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
وأن ثواب الله للطالب الهدى
جنان من الفردوس ذات زخارف
فقالوا: هذا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. [أسد الغابة 2: 357].
وصفه الذهبي بصفات هي مجمع المحاسن والمحامد، فقال: السيد الكبير، الشريف، أبو قيس الأنصاري، الخزرجي، الساعدي، المدني، النقيب، سيد الخزرج، وكان عقبياً، نقيباً، سيداً، جواداً. ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم، أو ثريد بلبن، أو غيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيوت أزواجه. [سير أعلام النبلاء 1: 270].
قال أبو الأسود عن عروة إنه شهد بدراً، وقال جماعة: ما شهدها. أما ابن سعد في طبقاته فقال: كان سعد تهيأ للخروج إلى بدر، ويأتي دور الأنصار يحثهم على الخروج، فنهش، فأقام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لئن سعداً شهد بدراً، لقد كان حريصاً عليها».
وقال البخاري في تاريخه: إنه شهد بدراً. وتبعه ابن مندة.
وقد أورد ابن هشام في سيرته ما حصل للأنصار مع قريش بعد العقبة الثانية، ومن ذلك: أن الناس لما نفروا من منى تنطس القوم الخبر، فوجدوه قد كان، وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، فأما المنذر فأعجز القوم، وكلاهما كان نقيباً، فأخذوا سعداً، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه، ويجذبونه بجمته، وكان ذا شعر كثير.
قال سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضيء أبيض، شعشاع، حلو من الرجال. قال: فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا. قال: فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة. قال: فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا من خير. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم، فقال ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال: قلت: بلى، والله، لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي تجارة، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث ابن حرب بن أمية، قال: ويحك! فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلاً من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جواراً، قالا: ومن هو؟ قال سعد بن عبادة، قالا: صدق والله، إن كان ليجير لنا تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده. قال: فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم، فانطلق. وكان الذي لكم سعداً هو سهيل بن عمرو، أخو بني عامر بن لؤي. قال ابن هشام: وكان الرجل الذي أوى إليه أبا البختري بن هشام.
قال مسلم في الجهاد عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
أما عن غيرة سعد الشديدة فقد قال ابن عباس: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ...} [النور آية: 4]. قال سعد سيد الأنصار: هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار! ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟». قالوا: لا تلمه، فإنه غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، ولا طلق امرأة قط فاجترأ أحد أن يتزوجها. فقال سعد: يا رسول الله! والله لأعلم أنها حق، وأنها من الله، لكني قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: كلا والذي بعثك بالحق، أنا كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا إلى ما يقول صاحبكم إنه لغير، وأنا أغير منه، والله أغير مني». [سير أعلام النبلاء 1: 275].
وفي وفاته عن ابن سيرين أن سعداً بال قائماً فمات، وقيل مات بحوران لسنتين ونصف السنة من خلافة عمر. وما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قائلاً من بئر ينشد:
قد قتلنا سيد الخز
رج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين
فلم نخط فؤاده
فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه، وإنما جلس يبول في نفق، فمات من ساعته، ووجدوه قد اخضر جلده. [سير أعلام النبلاء 1: 278].
عده الكناني في معجمه من فقهاء الصحابة، وقد أورد له بعض المسائل، كما أخذ الفقهاء في أحاديثه ووقائع سيرته استدلالات فقهية، فقد تحدثوا عن الأماكن التي لا يجوز التبول فيها، كطريق الناس وموارد الماء والظل الذي ينتفع به الناس، ودليل ذلك ما رواه أبو داود عن معاذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل». ثم قال ابن قدامة - رحمه الله -: ويلحق بهذا أمور، وذكر منها: ويكره أن يبول في شق أو ثقب؛ لما روى عبد الله بن سرجس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نهى أن يبال في الجحر» رواه أبو داود؛ ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه، أو يكون مسكناً للجن فيتأذى بهم. فقد حكي أن سعد بن عبادة أنه بال في جحر بالشام ثم استلقى ميتاً، فسمعت الجن تقول:
نحن قتلنا سيد الخز
رج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين
فلم نخطئ فؤاده
[المغني 1: 225]
وفي وفاة أم سعد تحصل الفقهاء على حكمين من قول رسول الله وفعله:
الأول: في قضاء النذر عن الميت، فقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه بأن يقضيه، فكانت سُنة بعد. [المغني 13: 657].
الثانية: جواز الصلاة على القبر حتى شهر، فقد روى سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب، فلما قدم صلى الله عليه وسلم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهر. أخرجه الترمذي، وقال أحمد: أكثر ما سمعنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر، ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت فيها، فجازت الصلاة عليه فيها. [المغني 3: 455].
وفي حمد الله والدعاء لصاحب الطعام روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة». رواه أبو داود.