د. نوف بنت محمد الزير
لم يكن حدثاً عابراً تأسيس مركز الملك سلمان لبناء القادة في مدارس الرياض في عام 1426هـ والذي حمل اسمه - حفظه الله- يوم كان أميراً لمنطقة الرياض، والبدء في تطبيق خطته الإستراتيجية عام 1427هـ والذي كان يهدف إلى إعداد الطلاب والطالبات قيادياً وتنمية مهاراتهم وقدراتهم وتبصيرهم بالقضايا المحلية والإقليمية والعالمية المؤثِّرة في المجتمع السعودي، وتمكينهم من تطبيق المهارات القيادية في المجالات الحياتية المختلفة ونشر الثقافة القيادية بين الطلاب والطالبات. ولقد شرفتُ بالمشاركة في تدريب ثلة من بناتنا الغاليات في المرحلة الثانوية من مختلف المناطق التعليمية في المملكة في برنامج صناعة القائدة في فعالية قادة المستقبل الذي أقامته مدارس الرياض ضمن احتفاليتها بمرور أربعين عاماً على إنشائها.
فها هي المملكة العربية السعودية تحفل بنخبة من القادة الشباب الذين تمرّسوا على القيادة أنماطاً وسلوكاً وأسلوباً وإدارة واستطاعوا بفضل الله تسنّم زمام المناصب القيادية والقيام بها خير قيام.
وهذا يذكّرنا بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المواقف والأشخاص ورعاية مصالح البلاد والعباد؛ فقد ربى أسامة بن زيد وأحبه كثيراً حينما ولى أسامة بن زيد رضي الله عنهما ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرة قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام سنة إحدى عشرة من الهجرة في جيش فيه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وأصحاب السبق في الإسلام كعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين حتى إن عمر رضي الله عنه على فضله لم يكن يحييه إلا بقوله: السلام على الأمير؛ مع أن أبا بكر استأذن أسامة في بقاء عمر معه في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فأذن له.
وفي البخاري أنه لما أمّر الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة طعن بعض الناس في إمارته فقال صلى الله عليه وسلم: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل و أيم الله إن كان لخليقاً للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإن هذا من أحب الناس إليّ بعده».
وقد أعزّ الله أسامة بن زيد وجيشه وعاد إلى المدينة فاتحاً منتصراً. وكان خليقاً بالقيادة جديراً بها عند حسن ظن رسول الله فيه الذي تعهده ورباه وتوسم فيه القيام بما يوكل إليه من مهام على أكمل وجه وأتمه.
إن التربية على شؤون القيادة منهج نبوي كريم سار عليه ولاة الأمر في بلادنا المباركة الذين يظهرون اعتزازهم الدائم بقيام منهج الحكم في المملكة العربية السعودية على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه- الذي كان يربي في أبنائه سلوك القيادة ويتعلّمون منه في مجلسه فنونها ثم يوليهم مراتبها فيبدعون فيها، وقد سار على ذلك أبناؤه الملوك من بعده سعود، فيصل، خالد، فهد وعبدالله رحمهم الله وحتى العهد الزاخر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- الذي أتقن درس والده وأحسن بناء جيل القيادة الذي رعاه غرساً منذ زمن بعيد فكان للشباب نصيباً وافراً من المناصب القيادية مما أضفى على عهده الزاخر صبغة سلمانية محنكة ودروساً تاريخية بالغة التأثير فكان عهد الخير والبناء والنماء.
إن هذا يُعطي للشباب طموحاً عالياً وبُعداً إيجابياً ونموذجاً متألقاً في الفرص التي تنتظرهم وتترقب إبداعهم؛ إذا ما أحسنوا صيانة النعم التي أكرمهم الله بها من القوة والنباهة والذكاء والعلم واستثمار الفرص التي تُحيط بهم، بل صناعة فرص جديدة وتقديم أعمال ريادية وتوجيهها الوجهة السليمة في خدمة دينهم ووطنهم والرقي بذواتهم صعوداً لقمم المجد والعلياء.
فالتميّز على كافة الأصعدة مكانكم، والعطاء المخلص جوهر معدنكم، والسبيل إلى الخير والحق عنواناً واضحاً لكم، أدام الله على بلادنا الأمن والأمان والرخاء والازدهار.